ببعض الكلمات الكلاسيكية التي تستخدم عادة في المراسلات الدبلوماسية، تلا وزير خارجية لبنان عبدالله بوحبيب ورقة مكتوبة، تلعثم في قراءة بعض عباراتها لشدة توتره، عقب خروجه من قصر بعبدا أمس (الأربعاء) بعدما انتهى من لقاء الرئيس ميشال عون، في محاولة لستر عورات السلطة التي في كل مرة يخرج أحد وزرائها ليفضح مكنوناتها تجاه دول الخليج ومستقبل العلاقات معه.يوماً بعد يوم، تثبت السلطة الحاكمة بأمر اللبنانيين، أو يثبت «الأمر الواقع» أي «حزب الله» كما وصفه بوحبيب في «اللقاء الصحفي» الذي حاول جاهدا التنصل مما قاله، من خلال تجاهل كل ما جاء في التسجيلات، أنه ليس هناك من وارد في معالجة الأزمة بين لبنان وأشقائه العرب. فبعد التصريح الذي أطاح بوزير خارجية لبنان السابق شربل وهبة، والتصريح الذي افتعل أزمة دبلوماسية متصاعدة بين السعودية ولبنان بسبب افتراءات جورج قرداحي، خرج بوحبيب في الساعات القليلة الماضية وفشل في إدارة «خلية الأزمة» التي تشكلت ليوم واحد من أجل رأب الصدع مع السعودية، في تصريحات «صبت الزيت على النار» و«زادت على الطين بلة» كما يقولون، ليكذب أمام العالم بقوله إن السعودية تفرض على اللبنانيين شروطا تعجيزية لعودة العلاقات، وتطالبهم برأس «حزب الله»، وإنهم إذا أقالوا قرداحي فستطالبهم بالمزيد، وإن أسواق المملكة هي دافع اللبنانيين لتهريب المخدرات، منتقصاً من أهمية الدعم المالي الخليجي. «وزير الخارجية» الذي لا يعرف من الدبلوماسية إلا اسمها وبعدما أنهى حديثه، تنبه متأخرا أن تصريحه لم يكن دعوة للحوار كما وصفه بل هو تصعيد وتأجيج للأزمة، خصوصا بعدما كشفت صحيفة «عكاظ» -في سبق تاريخي للعالم- تفاصيل تصريحه الذي يزعم أنه دعوة للحوار، إذ لم يجرؤ على نفيه ليلا بل اكتفى بالقول إن كلامه مجتزأ بانتظار فريق المستشارين في اليوم التالي للملمة تداعيات تصريحه، ولم يجد ما يلوكه سوى إلقاء اللوم على الصحيفة التي نشرت تسجيلا له، فشل في أن ينفيه كما فشل في أن يوضح موقفه المشين، فأسقط في يده. خلاصة القول، لن يجرؤ وزير في الحكومة الحالية على النظر إلى الأمور بغير منظار «حزب الله» الذي وجد في الأزمة مع السعودية حاليا مساحة للاعتراف بأن قضية قرداحي ليست إشكالية أو موقفا سياسيا مما يجري في اليمن، بل لها أبعاد أعمق تمتد جذورها إلى الحقد على الخليج ودوله، والأجندة التي ينفذها التي لا تصب في مصلحة لبنان وهويته. أما رواد مواقع التواصل الاجتماعي فقد استلموا زمام المبادرة بالرد على بوحبيب، في وقت حاولت السلطة وأزلامها تجاهله وكأن شيئا لم يكن. رواد تويتر استخدموا وسم #لبنان_ينهار، للفيديو الذي نشرته «عكاظ» الذي يفضح بالصوت تسجيلات الوزير الذي جهد في التنصل من تصريحاته دون جدوى فقرر دفن رأسه في التراب كالنعامة. الانتقادات التي وجهت للوزير كثيرة، فجاء في تغريدة المحللة الاقتصادية محاسن مرسل: «محق بأن البنك الدولي والاتحاد الاوروبي أكثر من أعطى قروضا، ولكن نلفت نظره بالنسبة للهبات والمساعدات والدعم المالي بشتى أشكاله، فدول الخليج العربي تأتي بالدرجة الأولى لا سيما السعودية، مليارات انفقت لدعم الناس مش مزبوط على الانتخابات». وكتبت الاعلامية كارين سلامة: «كلام بوحبيب بكل تخبيصاته فيه اعتراف خطير..الدولة عاجزة أمام هيمنة وقوة حزب الله». وأسفت إحدى التغريدات لأن الوزراء «لا فهم ولا ثقافة ولا تعبير.. والله يعينك يا لبنان». فيما اعتبر آخر أن «إسقاط ميشال عون صار مطلبا وطنيا».