إنه سؤال مباشر جدا وصريح جدا، وجوابه مثله تماما؛ فما نريده من لبنان بكل وضوح أن يكون دولة. دولة بمفهومها الحديث، وأهم ما في الدولة الحديثة أن تكون ذات سيادة، ولا أعتقد أن اللبنانيين بحاجة إلى درس مفاهيمي يشرح السيادة منذ الفرنسي جان بودان (Jean Bodin) إلى يومنا هذا، وذلك لأنه أصبح مفهوما بدهياً في العرف الدولي بعيداً عن شقشقات الفلسفة السياسية! أن تكون لبنان ذات سيادة يعني أن تختار قرارها وأن تبني سياستها من خلال دولتها، وحينها تقرر ما تشاء، لا يهمنا حينها أن تكون لبنان صديقا أو عدوا إذا كان ذلك نابعا من سيادتها على قرارها وأرضها وشعبها، وحينها سنحترم أي قرار صادر عن سيادة، وليس قرارا تشكله جهات أخرى، يُملى عليها بكرة وأصيلا. فقدان لبنان لسيادته هو المشكلة العويصة التي تضرر منها أبناء الشعب اللبناني نفسه قبل أي أحد آخر، ونحن نعلم يقينا أن في لبنان شرفاء كثرا يكِنّون لنا ونكنّ لهم مشاعر التقدير والاحترام والأخوة والمصالح المتبادلة، ولكنهم مغلوبون على أمرهم؛ لأن دولتهم كذلك مغلوبة على أمرها وشبه فاقدة لسيادتها على قرارها. أن تملك لبنان سيادتها يعني أننا يمكن أن نتعامل بكل شفافية ووضوح مع شقيقتنا لبنان، لأنه لا يُعقل أن تظل لبنان تستقبل معوناتنا غير المحدودة بكف، وتحمل لنا خنجرا مسموما بالكف الآخر، ولأننا بدو كما يحلو لبعض وزراء لبنان أن يقولوا عنا؛ فإننا كثيرا ما نردد قول جدنا البدوي الأول المثقّب العبدي حين قال: فإمَّا أنْ تكونَ أخي بحقٍ.... فأَعرِفَ منكَ غَثِّي من سَميني وإلَّا فاطّرحني واتخذني... عدوّا أتّقيك وتَتَّقيني ولا أعتقد أن هذه معادلة صعبة على الفهم السياسي اللبناني، ولذلك يصوغ هذا الفهم البدوي شاعر شاب سعودي آخر هو محمد التركي فيقول: كن صديقا جيّدا أو عدوا بشرف لا تقف في المنتصف ! هذا الوضوح الشفاف لا يتحقق إلا في ظل سيادة حقيقية على مفاصل الدولة وقراراتها، أما أن تدعي أنك صديقي وشقيقي وتجمعنا قواسم مشتركة وتتقبل مساعداتي ومعوناتي بصدر رحب وجيب فارغ، ثم تبعث إليّ بشحنات الرمان والفواكه مفخخة بحمولات من المخدرات، وتأبى أن تتعاون معي في كبح جماح هذه المليشيات اللعينة، وإيقافها عند حدها لأسباب أنت تعرفها، وتريد مني أن أصمت حيال كل ذلك! نعم نحن تهمنا لبنان بكل مكوناتها وثقافتها، وعملنا جاهدين على أن تبقى لبنان كما يريد لها شعبها، وساهمنا بكل ما نملك لحقن دماء اللبنانيين واتفاقية الطائف التي ما زال يتردد صداها إلى الآن ماثلة في عقل ووجدان كل لبناني حر وما أكثرهم رغم تغييبهم وكتم أصواتهم. ولا نريد من لبنان إلا أن يملك قراره ويتيح لشعبه أن يمتلك سيادته وحينها نحن على يقين أن لبنان لن يختار إلا محيطه العربي وجواره المتميز، وسيعرف عدوه من صديقه، وستكون حكومته ووزراؤه على قدر المسؤولية التي تليق بلبنان وتاريخه! أما ما يجري الآن فمن المؤسف أنه لا يمكن تفسيره أو تبريره، أن يخرج في كل مرة وزير لبناني ويسيء إلينا دون وجه حق ثم تبرر الحكومة هذا النزق الوزاري بأنه لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية، فلنا أن نتساءل ببراءة: هل يمثل موقف دولة أخرى؟ لا سمح الله! إلى أن تعيد الحكومة اللبنانية النظر في هياكلها السياسية وتؤسس حقا لسيادة حرة لا تخضع لمنطق دولة داخل الدولة، ولا منطق دولة من خارج الدولة، سأقول مع الشاعر العراقي مظفر النواب: أيقتلك البرد؟ أنا.. يقتلني نصف الدفء ونصف الموقف أكثر!