شدد رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون في اليوم الثاني والأخير لزيارته لبنان على ان"تطبيع العلاقات بين لبنان وسورية وفتح السفارات بين البلدين يجب أن يرافقه اعتراف واضح وصريح باستقلال لبنان وسيادته ونأمل أن يحصل ذلك قبل نهاية العام وفقاً للالتزامات التي أعطيت". ورأى فيون ان"هناك إجراءات أخرى يجب أن ترافق هذا المسار منها ترسيم الحدود وتعزيز مراقبتها ومعالجة ملف المفقودين الصعب جداً، لبنان سيعود دولة ذات سيادة يرفض أيضاً مبدأ اللاعقاب، وهذا أمر مهم جداً وفرنسا تدعم بقوة مالياً وسياسياً إنشاء المحكمة الدولية. والوعد الآخر الذي نقدمه للبنان هو التطور والنمو في وضعه الاقتصادي". ولم يخالف فيون المسؤولين الفرنسيين الذين زاروا لبنان سابقاً، إذ وقف أمام ضريح الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري واضعاً إكليلاً من الزهر ومدوناً في سجل الشرف"وفاء فرنسا لذكراه". لقاء رجال الأعمال وكان فيون ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة عقدا لقاء مع رجال الاعمال اللبنانيين في حضور وفد من رجال الاعمال الفرنسيين الذين رافقوا فيون ومن بينهم صاحب شبكة الفنادق الكبرى لوسيان باريير الذي عبر ل"الحياة"عن اهتمامه بالاستثمار في فنادق من الدرجة الفخمة في لبنان وانه يتنظر ان تكون الحال اكثر وضوحاً بعد الانتخابات النيابية في هذا البلد لأن الوضع الحالي مشجع ولكنه هش". وحضر اللقاء في السراي الكبير الوزراء: محمد الصفدي، محمد شطح، جبران باسيل ووزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التجارة الخارجية آن ماري إيدراك وحشد من الشخصيات ورؤساء القطاعات الاقتصادية والمهنية. وبعد ان عقد السنيورة وفيون اجتماعاً ثنائياً انتقلا الى الحوار المفتوح مع رجال الاعمال. ونوه السنيورة بالعلاقات"المتجذرة والمزدهرة مع فرنسا"، وتوقف عند الدور الذي لعبه الرئيس رفيق الحريري"الذي اغتالته يد الغدر قبل أن ينجز بالكامل المهمة التي نذر نفسه لها: أن ينفض عن لبنان آثار الحروب المدمرة، وأن ينهض بالوطن الذي أحب في مجالات العمران والاقتصاد والتنمية والثقافة". وقال السنيورة ان فرنسا:"وقفت دائماً إلى جانب لبنان مدافعةً عنه ومضمدة لجروحه، ومعززة لقواه الأمنية، وداعمة لاقتصاده. وهي لا تمل المراهنة على إمكانات شعبه ومؤسساته وقدرته على تخطي الصعوبات والنهوض مجدداً لاستئناف مسيرة التطور والنمو. وليست بعيدة عنا مناسبات مضيئة وضعت فيها فرنسا إمكاناتها وعلاقاتها وثقلها لمساعدة لبنان في مؤتمرات باريس 1 و2 و3 متقدمةً ودائماً بالنصيب الأوفر من الدعم في المجالات المالية والتنموية والأمنية والسياسية والديبلوماسية والثقافية وغيرها، وإننا نتطلع إلى توثيق وزيادة حجم التعاون بين مؤسسات القطاع الخاص في البلدين لترقى إلى مستوى العلاقات التاريخية بين البلدين وبين المسؤولين فيهما فتكون انعكاساً لعمقها وتجذرها في جميع المجالات الأخرى". وشارك رجال الاعمال قلقهم ل"المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية وبعض الأحداث والإجراءات الأمنية. وجميعها مخاوف محقة نتفهمها، لكنه قال:"إلا أن لبنان لا يزال يتمتع بمميزات تجعله قادراً على التغلب على الكثير من المصاعب التي تعرض لها وذلك يعطيه قدراً عالياً من المرونة والتلاؤم مع المستجدات". وطمأن الى انه على المستوى السياسي"نعمل بجد ومثابرة من خلال تفعيل عمل المؤسسات، والعودة إلى طاولة الحوار، والتحضير للانتخابات النيابية المتوقعة في الربيع المقبل والتي نعمل من أجل توفير كل الشروط التي تسمح لها أن تكون انتخابات حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة اللبنانيين بعيداً من العنف والضغوط. كما نعمل أيضاً على الصعيد الأمني على تجهيز الجيش والقوى الأمنية وتحديث قدراتها بالتعاون مع فرنسا والدول الشقيقة والصديقة وكذلك التعاون مع الجهات الدولية وقوات"يونيفيل"التي ساهمت فرنسا فيها مشكورة. ونعمل أيضاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تطبيق التزامات مؤتمر باريس -3 التي أكدت عليها حكومة الوحدة الوطنية في بيانها الوزاري". فيون ورأى فيون ان"هناك أماكن لا نلتقي بها إلا ونحن نشعر بشعور عميق وتأثر كبير، ولبنان أبرز هذه المناطق، لأنه يتميز بقدرة التبادل والمقاومة، ما شكل ثقافة خاصة به، وهو بلد عاش وعرف التجارب العديدة وهو مصر على التعايش والبناء وهو وفي لروابط الماضي. إن تاريخ لبنان هو تاريخ ثقافة متعلقة بثروته وغناه وتعدده وانفتاحه على العالم، وهو تاريخ إرادة وهوية صامدة ضد صعوبات الحرب، وهو تاريخ وفاء. فلبنان واجه أكثر من ثلاثين عاماً من العنف وبقي فخوراً لا ينكر تعدديته وديموقراطيته وطموحه، وهو لا ينكر موقعه في المنطقة ولا صداقته وروابطه مع فرنسا، وفرنسا اليوم تستجيب للبنان ونود أن نشكر بقوة الرئيس السنيورة على حرارة استقباله وروحه البناءة للعلاقات بين البلدين، خصوصاً عبر توقيع عدد من الاتفاقات الثنائية البارحة أول من أمس، وسمح لنا هذا اللقاء بإعادة تأكيد هذه الروابط، وهذا اللقاء الثالث لنا خلال أقل من 18 شهراً، وأكدنا إرادتنا المشتركة والعميقة للعمل معاً لتعزيز التعاون بين الدولتين". وكرر فيون وقوف بلاده الى جانب لبنان"وهي تؤمن بكل ما قدم التطور الأخير لهذا البلد، وأن التحديات التي واجهت لبنان كثيرة وهو عليه أن يواجه لكي يكون موقعاً استراتيجياً في الشرق الأوسط وتنمو قطاعاته بقوة ويبدي مقاومة قوية للأزمة وإرادة قوية جداً، وفي أول أولويات لبنان استعادة الأمن والسيادة، وهذا مفتاح لبنان. والأمل الذي ظهر بعد انسحاب القوات الأجنبية، وما واجهه لبنان بسبب الأزمة السياسية قد شل كل هذه الأمور، وعلى رغم هذه الصعوبات، فتح اتفاق الدوحة أفقاً جديداً وأبعد تهديدات الأزمات، وأعاد الديناميكية والمبادرة". ولفت الى ان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان"يعلم انه يتمتع بدعم كامل من فرنسا ورئيسها في هذا السعي، وكررت له هذا الدعم البارحة. وإن إعادة استقرار وبناء هذا البلد تتابعه الأسرة الدولية عن كثب. وفي الربيع المقبل ستسمح الانتخابات الديموقراطية الحرة الشفافة في لبنان باختيار سيد للمسار الذي سيتخذه هذا البلد في السنوات الأربع المقبلة. وأكرر مجدداً أن فرنسا مستعدة، في حال أرادت الحكومة اللبنانية، تقديم المساعدة التقنية في هذه العملية. وإن مصداقية وشرعية هذه الحكومة الديموقراطية ستسمح للبنان بالعودة إلى مساره الصحيح". وتوقف عند الأزمة الاقتصادية العالمية وقال:"يجب أن نقول أن لبنان أظهر استثناء قوياً كونه أظهر نمواً كبيراً خلال العام 2008، واستقرار الليرة والمصارف في لبنان هو أمر مهم جداً بالنسبة الى النجاحات المصرفية. والتحدي الموجود اليوم هو الصمود خلال الأشهر المقبلة لمواجهة البطء في الاقتصاد العالمي. ونحن نحاول أن نعد رداً عالمياً على هذه الأزمة". وإذ عرض الخطوات التي ستقوم بها حكومته في إطار هذا السعي"، قال:"أود أن أحيي برنامج حكومة الرئيس السنيورة لمواجهة هذه الأزمة المالية والدفع نحو إصلاحات في البنى التحتية وقطاع الكهرباء والقطاع المالي. وعندما يتم تطبيق كل هذه الإصلاحات فإنها ستعزز الاقتصاد اللبناني وستضمن نوعية بقائه في الاقتصاد الدولي، وهذه الإجراءات قررها لبنان وتعهد بها بنفسه في إطار مؤتمر باريس -3، وفرنسا ومعها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية تدعم هذه الإجراءات والقرارات لأنها تشكل الوعد الثالث للبنان وأسس الدعم المستقبلي من فرنساللبنان لأننا نعرف دور لبنان الإقليمي في المنطقة ونريد أن ندعم تطور هذه القطاعات". وحيا فيون"شركة CMA-CMG وهي ثالث شركة عالمية للنقل البحري، لاقت نجاحات كبيرة في آسيا وفي دول أخرى، وهي اختارت مقرها الإقليمي في لبنان لأنها تؤمن بدور قطاعات الأبحاث في الاقتصاد"، وأكد"التزام فرنسا في إطار مخطط صحيح لنمو لبنان وتطوره الاجتماعي والاقتصادي"، وقال:"إن فرنسا ستقدم كل جهدها ودعمها لإعادة تعزيز دور لبنان وهذا ما ظهر من خلال توقيع الاتفاقات البارحة وهي تهدف إلى الإسراع في تطبيق القرارات التي اتخذت في إطار مؤتمر باريس -3 وقد وقعنا على سلسلة من الاتفاقات والمعاهدات التي ستشكل البنى التحتية لهذه الاتفاقات ومن بين ما تم توقيعه البارحة وثيقة شراكة لفترة ما بين العامين 2008 و2012". وتوقف عند مسألة"وصول لبنان إلى المؤسسة الدولية للتجارة"، وقال:"أدعوه لاستعادة ترشيحه لهذه المنظمة ونحن سندعم هذه المبادرة". حوار وسئل السنيورة عن الاجراءات التي لا تزال معقدة لإنشاء المؤسسات الفرنسية في لبنان، ورد الوزير الصفدي بأن"إجراءات تسجيل الشركات الأجنبية أصبحت الآن سهلة"، شارحاً الخطوات المطلوبة. وسئل فيون عن سبل تسهيل الحصول على تأشيرات الدخول شينغن، فاقر فيون ب"أوضاع صعبة وعدد كبير من الطلبات ونعمل مع السفير الفرنسي في لبنان لتسهيل أوضاع رجال الأعمال وإيجاد طريقة أسرع وأكثر فاعلية، وسنعمل ما في وسعنا لتحسين هذا النظام ولكن أظن أن نظام"شينغن"يؤمن ويسمح لكم بتقديم طلب وسمة دخول لزيارة كل الدول الأوروبية". وعن موعد تصديق الاتفاق المتعلق بالنقل الجوي، امل السنيورة ان"يصار إلى حسمه نهائياً خلال الشهرين المقبلين بحيث يتم إقرار مشروع القانون هذا وغيره من القوانين التي يجري الآن التداول بها في المجلس النيابي". وعن صعوبة تصدير المواد الزراعية اللبنانية إلى أوروبا وخصوصاً إلى فرنسا في ضوء الإجراءات الصحية التي تشكل حاجزاً لدخول الانتاج اللبناني إلى الأسواق الأوروبية وفرنسا، قال فيون:"نحن لن نخفف من هذه القواعد التي تتعلق بالصحة ولكن فرنسا ستقوم بكل ما باستطاعتها لمساعدة لبنان لكي يصبح أقرب من المستوى المطلوب، ولكي يفتح السوق الأوروبي المجال لكل المناطق في العالم". وعن تطوير قطاع الاتصالات، رد الوزير جبران باسيل:"ان لبنان يعبر حالياً مرحلة لإعادة تأهيل قطاع الاتصالات وأفضل طريقة للقيام بذلك بسرعة هي من خلال تحرير السوق وتخصيص القطاع الخليوي. حالياً هذه العملية واجهت بعض البطء". لقاء بري والتقى فيون رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر البرلمان لمدة 40 دقيقة، وجرى عرض للعلاقات الثنائية وآخر التطورات السياسية والأمنية. وأدت ثلة من شرطة المجلس التحية للرئيس فيون وفرش له السجاد الأحمر، واستقبله الرئيس بري في بهو المجلس. وودعه بعد اللقاء عند باب المجلس. وجال الوفد الضيف في أرجاء المجلس والقاعة العامة، واستقبل طلاب برلمان الشباب الذين كانوا في المجلس، بحفاوة وتصفيق حار بري وفيون، وكانوا احتلوا المقاعد النيابية ال128 لمحاورة رئيس المجلس. ضريح الحريري وزار فيون والوفد المرافق ضريح الرئيس رفيق الحريري في قلب بيروت في حضور السنيورة ورئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري، ووضع إكليلاً من الزهر على الضريح، ودَوَّن في سجل الشرف الكلمة الآتية:"تعبيراً عن وفاء فرنسا لذكرى الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجميع ضحايا الاعتداءات الارهابية في لبنان". وسئل الحريري عن زيارة فيون للبنان ومراهنة البعض على أن تكون فرنسا قد غيرت سياستها تجاهه فأجاب:"الرهان على أن تغير فرنسا سياستها في ما يخص لبنان أو صداقتها معه، أو في ما يخص سياسة لبنان كدولة مستقلة حرة، رهان خاطئ، فرنسا كانت دائماً صديقة للبنان، ونحن سنكون أصدقاء لها كما كان الشهيد رفيق الحريري". واعتبر"أن زيارة الرئيس فيون إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري تأكيد على المبدأ الإنساني لفرنسا وعلى العدالة، وعلى المحكمة ومعاقبة المجرمين". وقال:"فرنسا لم تتغير ونحن لم نتغير، وسنستمر على هذا الدرب، وبإذن الله الحق معنا، وكما كان يقول الشهيد: لا يصح إلا الصحيح". ونظمت غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، لقاء اقتصادياً موسعاً، بين الوفد الاقتصادي المرافق لرئيس الوزراء الفرنسي والقطاع الخاص اللبناني. وتفقد فيون ورشة بناء القطب التكنولوجي الخاص بالصحة PTS، التابع لجامعة القديس يوسف. وانتقل الى الجنوب حيث تفقد الوحدات الفرنسية العاملة في إطار قوات"يونيفيل". وكان وزير الدفاع الياس المر عرض مع نظيره الفرنسي إرفيه موران العلاقات العسكري ودور القوة الفرنسية العاملة ضمن إطار"يونيفيل". وقال المر:"تركز البحث على المساعدات للجيش والبروتوكولات القائمة مثل التدريب والتجهيز، وتجهيز هيلكوبتر"غازيل"بالصواريخ. وبحثنا في أمور عسكرية وهناك دعم من وزير الدفاع الفرنسي لكل المواضيع التي أثرناها". نشر في العدد: 16668 ت.م: 22-11-2008 ص: 13 ط: الرياض