تثور الأسئلة في كل دورة من دورات معارض الكتب، حول عناوين مثيرة تقتنص القراء بحكم أن كُتّابها مشاهير في منصات التواصل الاجتماعي، فيما تخلو المؤلفات من مضمون، وتفتقر لجودة محتوى، وبحكم المسؤولية المعرفية، يرى مراقبون أن تسليع الوعي جريمة في حق الأجيال، والاستخفاف بالقارئ مخالفة موجبة للمحاسبة. وحمّل مثقفون الرقابة مسؤولية ما تقدمه سوق الكتاب من غُثاء غير قابل للتداول، وتطرح «عكاظ» القضية بين يدي عدد من المتخصصين، التماساً لتصورات مستقبلية نتفادى بها ما جرى وما يجري من استهانة بالتأليف وعدم التردد في النشر وإن كان المسطور مجرد كلام. يؤكد الشاعر عبدالمحسن يوسف، أن شاعراً يمنياً، قال له عندما سلّم ديوانه الأول إلى الناشر والمطبعة إثر تردد دام لأعوام، أحسست بندم كبير وكأن الكتاب ابني وأنني أقدم رأسه إلى المقصلة. فيما شبّه المؤلف وحيد الغامدي التأليف بالمياه الجوفية التي تتجمع ثم تنفجر في وقت واحد، مؤكداً ان الخائف لا ينجز أي عمل. وأنه من الخطأ المجازفة بالاسم والمستقبل الأدبي والكتابي في تلك المرحلة بالتحديد. لا تتسرع بالتأليف.. حذارِ من المياه الجوفية! يقول الغامدي: من يخاف لا يمكن له أن ينجز أو أن يتقدم خطوة للأمام. إلا أنني دائماً ما أنصح الشباب في سن العشرينات خصوصاً بالتريث في النشر، حتى في نشر المقالات فضلاً عن الكتب. لدي اعتقاد أن هذه الفئة العمرية بحاجة إلى الوقت لصقل التجربة، ومن الخطأ المجازفة بالاسم والمستقبل الأدبي والكتابي في تلك المرحلة بالتحديد. لدي اعتقاد أن التأليف في أي موضوع يجب أن يكون مثل المياه الجوفية التي قد تتجمع أحياناً على مدى سنين، لكنها تنفجر في لحظة واحدة. فإذا طرق ذهنك موضوع ما، فلا تتسرع بالتأليف فيه حتى ينضج جيداً في ذهنك، ولو تطلب الأمر بعض السنوات لإنضاجه. اتركه يتمدد في ذهنك ويتعتّق في روحك وأنت تفكر فيه بين الحين والحين لبعض الوقت. ثم في لحظة ابدأ بتأليفه، ستجد حينها أنه احتوى على طاقة هائلة تصل إلى القارئ حتماً بشكل يختلف عن كثير مما يكتب ويطبع وتفيض به المكتبات. ليس مطلوباً من أي كاتب أن يُطل على قرائه مع كل معرض كتاب بالغث والسمين على السواء. لقد بتنا في حاجة شديدة إلى (ترشيد التأليف) مع كل هذا السيل من العناوين التي تطفح بها دور النشر. استعراض العضلات النقدية وعدّ الغامدي القضية موزعة بين ما يجب على الناقد وما يجب على المؤلف، إذ يجب على المؤلف أن يتحرى العمق والجودة وكذلك التريث في قرار التأليف لينضج الموضوع جيداً في وعيه. أما ما يجب على الناقد، فإذا كان الكتاب هو الإصدار الأول لذلك المؤلف، وخصوصاً إذا كان مؤلفاً شاباً، فعلى الناقد ألا يستعرض عضلاته النقدية تجاه أول إصدار لشاب مبتدئ في هذه الصنعة. عليه أن يقدم رأيه في سياق الرعاية المفترضة لذلك المبتدئ، ولا يمنع من التوجيه في إطار تلك الرعاية. كما أن عليه ألا يبخل بتعزيز الدوافع التشجيعية تجاه أول مشروع فكري لإنسان ينتظر أن يرى ثمرته الأولى بشغف وترقب.. عليه أن يمنح شيئاً من الأمل لذلك الشاب وأن يراعي الجانب الإنساني في تقديم رأي ربما قد ينهي مسيرة موهبة قد تكون قادمة في الطريق وتنتظر فقط بعض التوجيه والصقل. يكفي أنه لا يوجد لدينا مؤسسات حاضنة ولا سياقات تواصل نموذجية بين الأجيال من الكتّاب. أعتقد أن هذه مسؤولية عظيمة على الناقد حين يتجاوز صرامة المعايير لصالح الدفع بالمواهب التي تبدأ أولى خطواتها في بدايات الطريق. تحسين المستوى وسد الثغرات يرى الإعلامي وصاحب رواية «وحيد» سعد الغنامي أن الكتابة هبة من الله، وإذا اقترنت بالخيال الواسع والأفكار المتفردة فإن التنفيس عنها يكون بخطها على عدد من السطور وتصبح كتاباً، وعند مشاركته به الناس عموماً فقد يقرأه أحدهم وكأن الكتاب مخاطبة له ولمشاعره، ومن جمالية ذلك أن تشارك الناس وتعيش معهم وبهم في كتاباتك، وعندما أؤلف كتاباً فإنني أعلم جيداً أنه سيكون هناك نقد واطلاع، ولا أخشى ذلك بل إنني أرغب بالنقد من النقاد وكبار المؤلفين فبنقدهم البناء تُصقل الموهبة وتزداد المعرفة وتجعل الكاتب يحسن من مستوياته فقد يغفل الكاتب عن شيء يكون الناقد ومن سبقوه بالخبرة نبهين له فيخبرونه بنقدهم فيحسن من مستواه الكتابي في كتاباته المقبلة، وعندما يخطر في عقلي أن أكتب كتاباً فإن المنطق الذي يتبادر إلى ذهني أن النقد هو المبدأ الذي يجب أن أتناوله في كل ما أكتبه فما أكتب إلا وأنقد ما كتبت وأعرضه على من أثق بنقدهم لأُحسن مما أكتب حتى أخرجه للنشر، كما أنني أسعد بعد النشر بالنقد الذي يأتيني من القراء عموماً ومن النقاد خصوصاً فإني أرى ذلك أمراً إيجابياً وليس سلبياً فالنقد في شتى المجالات يجعل الإنسان يعي ما يقول وما يكتب؛ لذلك أنا أبارك أن يطلع النقاد على أي مؤلف أقوم بتأليفه، فالنجاح الأكبر هو تقبل النقد وتحسين المستوى لسد الثغرات التي قد تفوت الكاتب، فالإنسان ليس معصوماً من الخطأ، وعندما يتجول العقل في رحاب الخيال فإنه ينتج حيوات وشعوراً وصخباً فكرياً لا يرتاح العقل إلا بعد أن يسكبها في ورقة وينتج كتاباً قابلاً للنقد. لا تساوي قيمة أحبارها الكاتب حمّاد السالمي يشير إلى أن الكتاب، مضمون، ولغة، وإضافة جديدة، ونفع للقارئ، وعدّ بعض ما تحتفي به بعض دور النشر دون الطموح، ولا تساوي قيمة أحبارها وورقها، وتساءل: أين رقابة ما قبل النشر؟ لافتاً إلى ضرورة عودة المحرر الثقافي، والمدقق اللغوي، والمُجيز المعرفي، والرقيب الثقافي، ودعا السالمي لتحكيم الكتب قبل نشرها وإظهار أسماء المحكمين في الطبعة، كون الكتب تتحول لمصادر ومراجع يعود إليها الباحثون، لدراسة حالة الشعوب وثقافتها ومستوى وعيها. فيما عدّ الناشر مجد حيدر، النشر مسؤولية، وقال: لن ننشر كتاباً اعتباراً بما فيه من حيّ الله كلام، وحمّل دور النشر التجارية مسؤولية السلق والتسليع للمعرفة، وطالب اتحاد الناشرين بوقفة صارمة مع أي دار نشر تستخفّ بالقُرّاء والوعي المجتمعي بنشرها، وأبدى رفضه لاستلام مبالغ مالية مغرية مقابل نشر غثاء أحوى، وأكد أنه يحارب كل ما يشوّه سمعة الناشر ابتغاء الربح، داعياً لعقود قانونية تحفظ حق المؤلف والناشر، مبديااً سعادته بالثبات على المبادئ الثقافية المعززة للعلاقة بالقارئ الجاد.