دعونا نستعرض على عجالة ما كان يحدث في تلك السنوات، وأقصد ما قبل وبعد تاريخ 11 سبتمبر 2001، في محاولة لوضع 11 سبتمبر في سياقها الزمني. في العام 1991 سحبت السعودية الجنسية من أسامة بن لادن عندما رفض العودة إلى بلاده وكان معروفاً وقتها أنه هو من يدير ويدعم العمليات الإرهابية من محل إقامته في السودان. في العام 1996 غادر إلى أفغانستان وتولى مهمة أمير هذا التنظيم الإرهابي رسمياً وظهر لنا مسمى تنظيم القاعده فيما بعد. في 1993 حاول رمزي يوسف الباكستاني الجنسية إسقاط مبنى مركز التجارة الدولي في نيويورك بواسطة إدخال شاحنة متوسطة الحجم إلى مرآب المبنى وتفجيرها. تم التفجير ولم ينهر البرج لكن لقي ستة أشخاص حتفهم وجرح ما يزيد على الألف من بينهم موظفو إغاثة وإطفاء الحرائق ومدنيون. في العام الذي يليه 1994 تم إفشال محاولة تفجير طائرة إيرفرانس قرب برج إيفل في باريس بواسطة إرهابيين من الجزائر يحملون عقيدة القاعدة. في العام 1995 حدث تفجير إرهابي أمام مبنى تستأجره بعثة أمريكية في الرياض تعمل لدى الحرس الوطني السعودي. تم القبض على الجناة الأربعة وحوكموا وأدينوا وتم إعدامهم. القاعدة مرة أخرى هي من خطط ونفذ هذه العملية باعتراف زعيمها أسامة بن لادن. في 25 يونيو من العام 1996 نفذ حزب الله هجوماً بواسطة شاحنة مفخخة تم تفجيرها أمام مبنى تستخدمه القوات الأمريكية في مدينة الخبر ولقي 19 شخصاً حتفهم وجرح المئات. في شهر أغسطس من العام 1998 تمت عملية ما يعرف بنيروبي ودار السلام، وكانت الأهداف سفارتي الولاياتالمتحدة في العاصمتين الأفريقيتين تزامناً مع الذكرى الثامنة لوصول القوات الأمريكية إلى السعودية لتحرير الكويت. منظمة القاعدة هي من خطط ونفذ هذه العملية. وفي أكتوبر من العام 2000 تم استهداف السفينة يو إس إس كول قرب سواحل عدن بواسطة تنظيم القاعدة في اليمن ونتج عن ذلك مقتل 17 عسكرياً أمريكياً وتدمير السفينة. في سبتمبر 2001 وقعت عملية نيويوركوواشنطن التي جندت لها القاعدة 15 شاباً سعودياً في محاولة لضرب العلاقات السعودية الأمريكية إضافة لمصري ولبناني وإماراتيين. مهندس هذه العملية والعقل المدبر لها هو الباكستاني خالد شيخ محمد خال الإرهابي الباكستاني الآخر رمزي يوسف المشار له أعلاه، والاثنان معتقلان حالياً في أمريكا. كان بإمكان الأمن الداخلي الأمريكي إيقاف المخطط لو تعاملت هذه الأجهزة الأمنية مع رسائل وكالة الاستخبارات المركزية كما هو معروف وموثق مؤخراً. (شاهدوا الوثائقي الجديد Turning Point and the war on Terror في نيتفلكس) لكن ذلك مع الأسف لم يحدث. في إندونيسيا وقعت في أكتوبر من العام 2002 عملية بالي التي سقط بها 220 ضحية وآلاف الإصابات وهي من تنظيم القاعدة أيضاً. وفي 2003 2004 وقعت عشرات التفجيرات الإرهابية داخل السعودية بواسطة نفس المنظمة، استهدفت مقار أمنية ومجمعات سكنية راح ضحيتها مئات العسكريين السعوديين والمدنيين. منظمة القاعدة وعبر منصاتها الإعلامية وبدعم من قناة الجزيرة كانت تتباهى بهذه العمليات وتقوم بتغطيتها وتبشر الشعب السعودي بقرب الانتصار وإسقاط الدولة. وقعت بعد ذلك انفجارات في إسبانيا وبريطانيا في 2006 و2007 ووقع غيرها في مناطق مختلفة من العالم بواسطة القاعدة أو من يعتنق أيديولوجيتها. أكتب هذا المقال بعد الحديث قبل يومين عن قرب كشف المزيد من الصفحات التي لم تكشف من قبل، ضمن تقرير الكونجرس الاستقصائي وأجهزة الأمن الأمريكية عن أحداث 11 سبتمبر والتي تتحدث أجهزة الإعلام الغربية حولها وكأن كشف المزيد من هذه الصفحات مضر للحكومة السعودية. الحقيقة أن الحكومة الأمريكية بهذا تحقق طلبات السعودية المتكررة منذ سنوات بأن تزال السرية عن ذلك التقرير وكشف كامل ما جاء به دون إخفاء أي صفحة أو سطر ثقة منها بأنه لا يوجد لديها ما تخشى كشفه غير أن لدى الجهات الحكومية الأمريكية دائما وفي كل مرة «أسباب أمنية» تمنع ذلك. كما هو معروف لم يتهم أحد في واشنطن حكومات الجزائر أو مصر أو باكستان أو لبنان أو إيران أو مليشيات إيران خارجها أو الإمارات أو اليمن أو قطر التي كانت تأوي خالد شيخ محمد وتمكنت من إخراجه رغم طلب الولاياتالمتحدة تسليمه، أقول لم يتهم أحد هذه الدول بتقديم أي تسهيلات لهؤلاء الإرهابيين وغيرهم ممن نفذوا هذه العمليات المتعددة حول العالم. كما أنه لم يتقدم أحد من أقرباء الضحايا برفع دعاوى مطالبات وتعويضات ضد أي دولة ينتمي لها من نفذ هذه العمليات. السعودية وحدها هي التي تتعرض لهذه التحركات المريبة من وقت لآخر وخصوصاً في ولاية الرئيسين أوباما وبايدن. المثير أن مثل هذه الادعاءات وبقائها رائجة حتى اليوم تعني ضمناً أن أربعة رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض منذ العام 2001 واطلعوا على هذه التقارير كاملة بلا نقصان، لكنهم تعمدوا الصمت وخانوا الأمانة والقسم الذي أقسموه قبل دخولهم للبيت الأبيض. هل هذا معقول أو منطقي؟ بالطبع لا. سبب صمتهم في واقع الأمر يعني بوضوح عدم وجود أي أدلة على تورط الحكومة السعودية بهذه الجريمة النكراء. ويبقى السؤال البديهي والأهم ما الدافع أو The motive الذي قد يدفع الحكومة السعودية تحديداً لإلحاق الأذى بدولة كأمريكا تربطهما علاقات طويلة ومصالح اقتصادية ضخمة وتبادل تجاري بالمليارات؟ أتساءل لأنه وبشكل عام وكقاعده قانونية للاستدلال، عدم توفر الدافع يضعف دعوى الادعاء وقد يسقط الاتهامات أمام القضاء سواء تحدثنا عن جرائم جنائية بسيطة داخل المجتمعات أو عمليات إجرامية كبرى.