بعد عقود من الزمن صار نصر الله انعكاسا للصورة القاتمة السوداوية للبنان؛ الدولة العربية الرائدة التي أصبحت اليوم خاوية على عروشها. نصر الله ألقى المئات من الخطابات المجانية التي لم تكن يوما ما جزءا من الحل، بل كانت عنصرا أساسيا من المشكلة لإذكاء الفتنة وتخريب لبنان ووصوله إلى هذا المنزلق الاقتصادي غير المسبوق، حيث أصبح الوضع متعسرا سياسيا، منهكا اقتصاديا، منتهيا ماليا، مهترئا جيو- إستراتيجيا.ويتساءل اللبنانيون من يستطيع إنقاذ البلد المنكوب من كوارثه المتراكمة، إذا كان أهل الحكم التعسفي الذين اختطفوا لبنان عاجزين عن إيجاد الحلول المناسبة لإخراج البلاد والعباد من هذا النفق المظلم، بسبب سياسات حزب الله، حيث أصبح الوضع يزداد سوادا يوما بعد يوم، بسبب فشل كل المحاولات في الحد من تفاقم الانهيارات، ويصبح لبنان دولة فاشلة اقتصاديا، وهذا ما لا يرغب أي عربي أن يصل إليه لبنان. إن الأمور في لبنان لم تعد معقدة فحسب بل دخلت في حالة الانهيار، ومردّ ذلك إلى تمترس حزب الله وراء مواقفه ورفضه تقديم أي تنازل من شأنه أن يساهم في حلحلة العقد التي لا تزال تعترض العملية السياسية، ويذهب البعض إلى القول إنه في ضوء ما يجري على هذا المستوى من الانهيار السياسي والاقتصادي معا فإن الأمر بات يتطلب معجزة. فالانتظار السياسي المهلهل على الساحة الداخلية مخيف ومرعب وهو يصعب كل المحاولات الجارية لإخراج هذا الاستحقاق من عنق الزجاجة، ويبقى في الحلقة المفرغة، إذ سقط أكثر في أتون أزمة اقتصادية طاحنة أكلت الأخضر واليابس، فيما زعماء الطوائف يتناحرون ويتكاسرون دون أن يلتفتوا لأوجاع اللبنانيين الذين بدأ الجوع يهددهم وينهشهم. يبدو واضحا أن قوى الممانعة قررت القفز فوق كل الحقائق المؤلمة وتجاهل التحديات والمخاطر التي ستترتب على الانهيار الاقتصادي والمالي الكامل، مع كل ما سينتج عنها من تداعيات اجتماعية وسياسية، وأصبحت مقتنعة للذهاب بلبنان إلى مستنقع الانهيار. لبنان ليس في حاجة لمزيد من الأزمات مع محيطه، ليس بحاجة لمقدار قشة من التأزيم لأن ما يعاني منه داخليا يكفيه ويزيد، فقد تفاقمت أوضاعه السياسية والاقتصادية حتى بلغ درجة اللا أفق واللا حل، بسبب تعنت ولا مسؤولية الأطراف السياسية المتحكمة في مجمل مفاصل الدولة، وأولها حزب الله المدعوم من إيران، الذي ينفذ أجندة إيرانية طائفية قادت لبنان لنفق مسدود تماما. نصرالله لايحب إلا الدجل وسفك الدماء، ولا يهتم خامنئي إلا بالتدمير والتخريب والفتن.. ولا يعبأ حزب الله بمستقبل لبنان.. نصرالله يرمي الكلام على عواهنه، ويعلن عن استيراد البنزين من النظام الإيراني وهو بهذا لا يورّط الدولة اللبنانية بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران فحسب بل يكشف طبيعة تواطؤ حزب الله مع طهران، خصوصا أن لبنان لا يحتمل سيناريو كهذا. كما أن نصر الله يؤكد أن الدولة اللبنانية فقدت كل مقوماتها السيادية وأن هناك فريقا أقوى وأكثر تنظيما منها، يصنع القرار.. أما الطاغية خامنئي فهو يخطط لزهق الدماء وصناعة الفتن. وجعل حسن نصر الله لبنان واللبنانيين أضحوكة وأشغل العالم بطريقة سمجة أخيرا حين تحدث عن باخرة إيرانية مزعومة أبحرت وهي تحمل المازوت إلى لبنان. خطابات نصر الله فقدت 9 أعشار البريق الذي كانت تحظى به في أسماع شارع عربي عريض، عابر للطوائف والمذاهب. كذلك توجّب أن يكشف نصر الله عن الصبغة الطائفية الصريحة التي حرص طويلا على تمويهها تحت ستار الوحدة الوطنية اللبنانية وهو أبعد ما يكون عن ذلك. لقد أثار حسن نصرالله موجة من الردود المؤيدة والمعارضة وبالأخص إعلانه عن «انطلاق السفينة الأولى من إيران التي تحمل المحروقات باتجاه لبنان»، وردّ رئيس تيار المستقبل اللبناني سعد الحريري، قائلا: «حزب الله لن يحصل على تأشيرة لتسليم لبنان إلى السطوة الإيرانية»، متسائلا الحريري في سلسلة تغريدات: «هل ما سمعناه عن وصول السفن الإيرانية هو بشرى سارة للبنانيين أم إعلان خطير يزج لبنان في صراعات داخلية وخارجية؟». و ألقت مجلة ناشيونال انترست الأمريكية أخيرا الضوء على الأوضاع في أحد معاقل حزب الله في جنوبلبنان، قائلة إن الحزب أصبح بمثابة الحصان المريض الضعيف والطاعن في السن، وأضحت أن أوضاعه الاقتصادية مترهلة من مشاكل إيران المالية وما تلاها من تقليص دعمها للمليشيا ما دفع الحزب للاعتماد على نصف مدفوعاته، مما أدى إلى التذمر داخليا والسخرية منه خارجيا. وتتابع المجلة: «يسخر البعض من زعيم حزب الله حسن نصر الله، باعتباره خامس سلاحف النينجا، لأنه يختبئ في ملاجئ الضاحية الجنوبية لبيروت خوفا من أن يلحق بسليماني وفخري زاده، إذا ظهر شخصيا».. حسن نصر الله بكل مضامين لغته الطائفية صال وجال في الشأن السياسي كما يهوى، حاملا تناقضات تميل إلى احتقار ذكاء المستمع وتراهن على محدودية ذاكرته المغيبة.. ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية قيمتها، عدا عن ارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر، ودفعت هذه الأزمة مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع احتجاجا على أداء الطبقة السياسية الطائفية التي يتهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة. إن للأزمة اللبنانية أبعادا محلية وحسابات شخصية ومصالح حزبية طائفية، ولكن في سياق التحليل السياسي الجدي من غير المجدي الالتفات لها، إذ إن الكلمة الفصل ستكون، كما العادة، للنظام الإيراني الذي يؤدي بمستقبل الكيان اللبناني للهاوية، وإدخاله في بؤر المناكفات من المرتزقة والطائفيين. لقد دخل لبنان دوامة جديدة من الأزمات المذهبية تضاف إلى وضعه الاقتصادي والمالي المنهار.