ترسم شخصية المارشال عبدالرشيد دوستم لوحة لمحنة أفغانستان من خلال رجلها القوي (الأوزبكي) في تلك اللحظة، الا ان تورط دوستم الاوزبكي، بالضلوع في أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة في أفغانستان ومروراً باحتلالها وضعه في حالة الضعف. ففي الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي مارس دوستم عملية إبادة جماعية لعدد كبير من الأسرى في قلعة «جانجي» بعد أن تم إعطاؤهم الأمان على حياتهم وأرواحهم. وعندما سيطرت حركة طالبان الأفغانية، على شبرغان عاصمة ولاية جوزجان امس الاول، معقل دوستم، فإن ذلك يعطي مؤشرا قويا على بداية نهاية دوستم وبقية تحالف الشمال حيث تزامن سقوط شبرغان مع إجراء دوستم مباحثات مع الرئيس أشرف غني في كابل حيث اقترح فيها عليه إعلان الأحكام العرفية، في سياق إجراءات لوقف تقدم طالبان. وشبرغان هي مدينة أمير الحرب المتحالف مع كابول وتحالف الشمال، إذ تعد مسقط رأسه ومركزا مهما لنفوذه القوي في عموم الشمال الأفغاني لسنوات. وقيّض لنجم دوستم أن يصعد أكثر بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وحظي برعاية أمريكية كبيرة، في مقابل ما قدم من ولاء وخدمة لهم لضرب طالبان، فيما تعرض لأكثر من محاولة اغتيال دبرت له كان آخرها في أكتوبر من العام الماضي، إثر كمين نصبته حركة طالبان في إقليم فارياب شمال أفغانستان أدى إلى إصابته. وينتمي دوستم عرقياً إلى قومية أوزبك، ونشأ في ولاية جوزجان في شمال أفغانستان، ولم يتمكن من دراسة المرحلة الثانوية، واشتغل في بدايات شبابه عاملًا عاديًا في شركة التنقيب عن البترول. وسيطر دوستم على مناطق الشمال الأفغاني ذات الأكثرية الأوزبكية منذ الأيام الأولى لسقوط نظام نجيب الله، واتخذ مزار شريف عاصمة لمنطقته ومعقلاً حصيناً له. والتحق دوستم بالجيش الأفغاني عام 1980 حيث قاتل ضد قوات المجاهدين التي كان يقودها الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود. وخلال تلك الفترة ظهر دوستم إلى الساحة الأفغانية كزعيم قوي للأقلية الأوزبكية. ويعد دوستم الرأس الوحيد الباقي من رموز النظام الشيوعي السابق، حيث كان قائدًا للمليشيات الشيوعية الأوزبكية التي تحمي النظام الشيوعي السابق في أفغانستان، ويعد أحد أمراء الحرب في أفغانستان. ومع انعدام وجود استراتيجية حقيقية وتوجهات لماهية الحرب الدائرة، مع تضارب مصالح حكومة غني مع مصالح الدول المجاورة والارتباط العرقي والديني بين المجموعات العرقية التي تُشكل المجتمع الأفغاني ودول الجوار وسيطرة طالبان على معظم الولايات، تبقى مسألةُ إيجاد حكومة بديلة لنظام غني معقدة جدا. خصوصا ان الحديث عن مستقبل أفغانستان لا يمكن أن يكون بمعزل عن القوى الداخلية مثل تحالف الشمال ومصالح الدول المجاورة وكذلك الانبثاق الاستراتيجي لدول آسيا الوسطى بعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي هناك ومصالح الدول العظمى التي سارعت لمد نفوذها وأثر ذلك على المسرح الدولي وصراع النفوذ والتنافس بين الدول العظمى حول اقتسام غنائم دول الاتحاد السوفييتي السابق. ومن هنا عادت أفغانستان لتحتل الصدارة في المخططات الاستراتيجية للدول العظمى. ومع التركيبة العرقية للمجتمع الأفغاني والخلافات الحادة بين الأطراف المتناحرة وغياب دور هام وفعال للأمم المتحدة، يبقى أحد الحلول والسيناريوهات المطروحة والأقرب إلى الحقيقة على أرض الواقع هو تقسيم أفغانستان على أسس عرقية وكونفدرالية ضعيفة بعيدة عن الحكم المركزي، وإن كان ذلك بمثابة كارثة حقيقية لأفغانستان. هل نشهد عودة لأمراء الحرب