تساءل الكثيرون عن مغزى وهدف تنظيم رابطة العالم الإسلامي ملتقى المرجعيات الدينية العراقية من جوار المسجد الحرام بحضور المرجعيات الشيعية والسنية والكردية في العراق أخيرا.. الراسخون في فهم فلسفة رابطة العالم الإسلامي حتما يدركون أن الرابطة هدفها التقريب بين الشعوب الإسلامية بكافة تياراتها وأعراقها وطوائفها، فضلا عن تكريس قيم التسامح والوسطية والاعتدال ونبذ الإرهاب والتطرف وفهم ثقافة الآخر والتقريب بين الديانات.. وعندما يؤكد الملتقى ضرورة مواجهة التطرف الديني بمصادره كافة، إضافة إلى تعزيز سبل محاربة الطائفية الدينية ونبذ خطاب الكراهية والصراع الفكري والثقافي في العالم الإسلامي ويحذر من «وباء الطائفية»، ويدعو إلى ضرورة فتح قنوات للحوار البناء، والتواصل الإيجابي بين العلماء لمعالجة القضايا المستجدة والأزمات المتجددة، فإن الهدف والمغزى الإستراتيجي يصبح واضحا كالشمس في كبد السماء وهو إيجاد التقارب بين الطوائف والمرجعيات العراقية وتكريس مبدأ التسامح والوسطية والاعتدال.. وعندما يقول الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى في كلمته أمام الملتقى إن الطائفية لا تعدو كونها دخيلة على قيم الدين والوطن، مشيداً بخطوات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لترسيخ الهوية الوطنية العراقية، التي وصفها بأنها «خطوات حثيثة معززة للمفهوم الشامل للهوية الوطنية في الوجدان العراقي»، فإنه يرسي قواعد الاعتدال ويؤكد أن الطائفية هي عدو للتعايش المشترك.. لقد نجح ملتقى المرجعيات العراقية في تعزيز الأخوة بين السنة والشيعة من جوار مهبط الوحي مكةالمكرمة التي تمثل قبلة المسلمين جميعا، والتأكيد على ضرورة مواجهة خطاب التطرف الديني أياً كان مصدره ومكانه وزمانه وذريعته، والمتمثل في الطائفية أياً كان مكانها حول العالم. وأجمع المشاركون من مختلف التيارات على دحض خطاب الكراهية والاختلافات الدينية والفكرية والثقافية الذي ترفضه المرجعيات الدينية العراقية باعتباره لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل أصالة علماء العراق الذين خدموا عالمهم الإسلامي والإنساني بوعيهم الكبير والشامل. وليس هناك رأيان في أن مشاركة وفد عراقي يضم كبار العلماء والمرجعيات الدينية في العراق في ملتقى المرجعيات العراقية وتناول العلماء محاور مهمة لإبراز القيم الإسلامية المشتركة التي تمثل الركيزة الأساسية في الوحدة الدينية للجميع مع احترام الخصوصية المذهبية لكل منهم بحد ذاته تطور نوعي إيجابي في تفكير المرجعيات الدينية باعتبار هذا المؤتمر مُلْهِماً للتنوع الديني الإسلامي أياً كان مكان هذا التنوع في العالم الإسلامي، نظراً لكونه منطلقاً من قبلة المسلمين. ولقد أظهرت جلسة الحوار بين المشاركين تعددا في الآراء ووجود إجماع على ضرورة الخروج بقرارات تحدد الأدوار الملقاة على عاتق المؤسسات الدينية وإجراءات التنسيق المقترحة لتحقيق الهدف المشترك ليكون دليلاً إرشادياً عاماً للجميع في الداخل العراقي وغيره وهذا ما تمخض عنه العصف الذهني المنوع، حيث وافق المجتمعون على تشكيل لجنة تنسيقية بين المرجعيات العراقية السنية والشيعية لتوحيد العمل الإسلامي المشترك في القضايا التي تهم الجميع، إلى جانب إنشاء هيئة عليا للتواصل والتعاون الحضاري في الداخل العراقي والداخل الإسلامي ومع أتباع الأديان الأخرى، برئاسة دورية وأمانة عامة منتخبة من قبل المرجعيات العلمية المشاركة.. والمؤكد أن أهمية الملتقى جاءت بسبب تنوع المشاركة من حيث حضور مراجع علمية سنية وشيعية مهمة ومؤثرة في العراق، إضافة إلى حضور رئيس الوقف الشيعي، ورئيس الوقف السني، وأيضاً شخصيات كبيرة فكرية وأكاديمية مؤثرة. تعزيز التعايش حظيت مخرجات الملتقى باهتمام ومتابعة واسعة من المرجعيات الدينية السنية والشيعية العراقية في الداخل العراقي ودعمت مخرجات الملتقى خصوصا أن الملتقى أكد أهمية تنمية وتنسيق دور العلماء وخاصة المراجع الدينية لتعزيز التعايش المذهبي والعمل على تطوير رسالة المؤسسات الدينية بما يحقق السلام المجتمعي والازدهار الحضاري في إطار الاحترام التام للسيادة الوطنية والدعم المعنوي لجهود الحكومة العراقية والمجتمع الدولي.وأجمعت المرجعيات الدينية على أن إنشاء هيئة عليا للتواصل والتعاون الحضاري في الداخل العراقي والداخل الإسلامي ومع أتباع الأديان الأخرى، برئاسة دورية وأمانة عامة منتخبة من قبل المرجعيات العلمية المشاركة، يعكس حرص رابطة العالم الإسلامي على متابعة تنفيذ مخرجات الملتقى لتحقيق الهدف المشار إليه، منها إبراز القيم الإسلامية المشتركة التي تمثل الركيزة الأساسية في الوحدة الدينية للجميع مع احترام الخصوصية المذهبية. لقد ثمنت المرجعيات الدور السعودي في تعزيز التعايش السلمي وضرورة تفعيل وثيقة مكةالمكرمة. وقررت إنشاء لجنة تنسيقية مشتركة تجمع المرجعيات العراقية لمتابعة المبادرات الناتجة عن الملتقى وترشيد الفتاوى الدينية بما يحافظ على المشتركات الإسلامية والإنسانية، الاهتمام بفقه السلم ليسهم في بناء مجتمع قائم على التعايش والسلم المجتمعي وفتح قنوات الحوار البناء بين العلماء لمعالجة القضايا المستجدة والأزمات. العيسى.. متحدث باسم الشعوب.. ومناصر لقيم التسامح عندما زار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى معسكر «أوشفيتز» النازي، في بولندا، للمشاركة في الذكرى ال 75 لتحرير سجنائه عام 2020، ورافقه وفد، بمناسبة ذكرى تحرير أسرى يهود من المعسكر، انتشر الخبر عبر مواقع التواصل الغربية والعالمية خصوصاً تسجيل فيديو لعيسى وهو يؤم صلاة جماعة مع وفده في المعسكر.قدمت تلك الزيارة التاريخية رسالة للعالم تعكس مدى تسامح الإسلام الحقيقي مع جميع الأديان وخطوة لبناء جسور السلام والمحبة لأتباع الديانات السماوية، وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي لتجسير الفجوات لبناء السلام وإدانة العنف والإرهاب. رابطة العالم الإسلامي في كل حراك كانت تهدف لتعزيز قيم الإسلام والتعبير عن عدالته وتكريس قيم التسامح والعدالة والوسطية والرحمة. وعندما منحت الأممالمتحدة عبر جامعتها للسلام «الدكتوراه الفخرية» للدكتور محمد العيسى فإن ذلك كان تقديراً لجهوده المتميزة في دعم الدبلوماسية الدولية، وتعزيز الصداقة والتعاون بين الشعوب، ونضاله المؤثر في مكافحة الكراهية باعتباره شخصية دولية رائدة للاعتدال الديني والفكري، وأنه يواصل العمل الجاد لإيصال رسالة الإسلام المعتدل والتعايش السلمي حول العالم، وبذل جهوداً لتوعية الأقليات المسلمة، واعترافاً بمساهماته الفردية وجهوده الإنسانية في مجال السلام وحل النزاعات ونشر الوئام. وتلعب الرابطة اليوم أدواراً مهمة في هذه المرحلة تتجاوز العمل الخيري الإغاثي إلى المساهمة في تشكيل الفكر وتغيير الراكد منه، وزرع الأمل من جديد. والمملكة مركزيتها ومحوريتها في قلب العالمين العربي والإسلامي، تشعر بمسؤولية مخصوصة عن تقديم مشروعها للإصلاح. وهي الآن تخوض غمار مرحلة جديدة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعُدّة جديدة، وبفكر نهضوي، يحدث هذا أمام كل ما تقاسيه المنطقة العربية ويعانيه العالم الإسلامي من حالة احتباس حضاري، إذ تشهد جملة من دوله وعواصمه صنوفاً من الفوضى التي تعصف باستقرارها وتفتك بإنسانها وتكلفها المزيد من سنوات التراجع والتوقف عن لحظة العصر وراهنه. وتكثر الحلول على وجه التنظير، وتتزاحم الرايات التي تزعم الإحاطة بسبل الخروج من نفق الواقع الأسيف الذي يلف المنطقة ويشل حركتها ويعيث في تاريخها وحاضرها على حد سواء. ورابطة العالم الإسلامي تكاد تكون من بين المؤسسات العالمية التي نجحت في إخراج الأمة من الجمود، بعد عدة سنوات على تأسيسها في مكةالمكرمة بموجب قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد فيها في 18 مايو 1962 لتكون منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة، مقرها مكةالمكرمة، تُعنى بإيضاح حقيقة الدعوة الإسلامية، ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع.