طلب العريفة من ابنه (فرحان) يتبدّى للذبّاح (فريح) الذي التزم لهم بذبح أضحيتهم، فأطلّ على الطريق الصاعد من الوادي، واضعاً كفه على جبهته، لتفادي أشعة الشمس، وقال: ما أشوف شيء! فعلّق الأب: أدري أنك ما تشوف يا ولدي.. الله يشوف لنا ولك، لو أنك تشوف لكنت مع الطحاطيح، مدوّرة المصالح، ما يكون قاعد عندي تربّي بساس. قالت الزوجة: إصبح عنّا وخلّنا نعيّد، حتى نهار الضحية ما غير تحنم على ضعيّف الله، فكأنه لم يسمعها، وقال: أحوى علينا «فِحْذان» وسُنّة النبي عليه السلام، يكون الذبح مع بَدْيَة عين الشمس، وصعد على سقف المنزل، وإذا بحمار ضخم يجتاز سبلا، مرسومة باحتراف، بين عضايد ركايب المزارع. رمى العريفة سجارته، وعصب رأسه بالعمامة، ورحّب باللافي، وأنزل الخُرج من فوق ظهر الحمار، بما فيه من سكاكين وسواطير وعُطف، وطلب من ابنه يربط الحمار، ويعلفه، ويقرب منه طشت الماء، إلا أن الحمار امترط الرباط من يد فرحان، ولحق بالحمير في الغابرة. فبغى يلحقه، فقال فريح: خله، خله نافداك، بيقطع نُشقته، وبيعوّد منكّس برأسه، ويا بخت من شاف الجُربة في غيره، فتعالت ضحكات الحضور. طلب منهم يخرجون الثور الأصبح من السفل، فاقتاده أبو فرحان متباهياً بحنّاء تهامي في رأسه وظهره وسيقانه، وقرّبه من سطل ماء مخلوط بملح، وأخذ به لفة في الجرين لين استوى على القِبلة، ومسح على ظهره، فلوى فريح حبلا على قدميه، وعقدها، ثم لف الحبل على الرجلين، ونتر الحبل، فسقط الثور على جنبه الأيسر، فسأل العريفة: تنحر وإلا أنحر؟ فقال: تراك مرشد، لكنه عيدي وعيد فلان وفلان وفلان وعدّ له ستة أسماء، فعلّق: كيف أحفظهم كلهم ذوليه، أنا باذبح وأنت أوقف فوق راسي واجهر بنيتك ونيّة وأسماء المسبّعين معك. شتت فحل البساس انتباه قطط القرية، فقال العريفة: منين خرج علينا، اُدخلوا في نحره، وحذفه بحصاة، فاختفى، فقال: فريح، لا تحذفه يمكنّه (جنّي) ما تشوفه أسود وعيونه تتبارق، وهما يتجادلان ودماء صُبيح تشخب، أقبلت عليهم فروخ البسّة تطيح وتقوم، فسأل الأب: وين غدت أمهم يا فرحان، وخلّت فروخها منثرين، فقال الابن: من يوم دخل فحل البساس القرية، وهي تتطرده، تفلح وما ترد الرأس، علّق: عندكم، فقال الابن: ما هي ما هِلا لحالها كل بساس القرية محوّطة به. بعدما بدأ فريح السلخ في جلد الثور، أقبل النساء بدِلال القهوة وصحون التمر الصفري، وأقبلت زوجة الأهتش (جُمعة السنافية) بدلّة رسلان وصحن تمر سري، وصبّت لفريح قبل العريفة، وناولته الفنجال وحبة التمر، وقالت له: من العايدين يا فريح، ردّ عليها: الله يجعلك من العايدين الزايدين، وانتقلت صحن تمرها وقهوتها وحطتها قدام العريفة، فجرح فريح اصبعه وإذا بدمه مختلط بدماء الثور. دبّت الغيرة في قلب زوجها الأهتش، فعلّق: والله ما خلا ولا بقى عن فحل البساس، ممصوق فوق حجر، انحا بنات فاطمة تقاطرن على الجرين. فقال فريح: ما عنك وعن الهروج الشامزة، والله لو ما هي حشمة للرجاجيل لا علقك بجنب الثور يا ثور، فعزز العريفة موقفه وقال: ترى يا الأهتش الرَجَّال يحبل من لسانه، فعلّق فريح: ذا معك غيثمة، ولّج فوقي (فحل البساس)، وعندنا خير، والله إن معي حرمة تسواه وتسوى عشرة من عيّنته. التقط السكين وشق بطن الثور، ورفع رأسه مغنياً (أضيق لا شفت لي في الدرب زين «معَا» شين) فقال العريفة: ذُقها. وأضاف: والله إنك قول وفعل يا فريح، وتقدر على الزواج من أجمل بنات القبيلة، نحمد الله لا قحّم البندق ولا شاب الرصاص، خلّ الأهتش ذيه ما خدمه إلا الحظ، والله سترك يا عنز بذنبك، وعشان يغيّر الهرجة قال لفرحان: ألمح لي يا ولد نقس من الحماطة تامعك أفك به الريق. سألت السنافية: وش تا اللجّة يا عريفتنا، فأجاب معك زوج يسوى ملا إذنه فريقه، فعلّقت (الشاة المزرية ما فيها إلا لسانها) وزادت: «اللي ما فيه نفعه ولا شفعه، عساه فدى جُمعه»، فانتشى فريح، وأندر الجلد، وبدأ يسدّي اللحم، فغمز الأهتش العريفة، وخفته في أذنه: ما قلت لك فحل بساس. توزّع الثور على سبعة قسوم، وغدا أكوام فوق هدم مصنوع من خصف، فأقبل فحل البساس، محدودب الظهر، وعيناه غائرتان، وشاربه على الطرفين كأنه شوك النيص، وخلفه يجي عشرين بسّه، فضحك الأهتش، وبدأ يقصّد: (يقول بوعساف بسّتنا مريضه، ما صلّت حتى الفريضه، وخلّت الفئران تاكل من تعبنا، ما معها كربة وغبنا، وان سمعت في الدار فحل يآخ ماوت). غضب فريح، وعزم على المغادرة، فقال العريفة: والله ما تِغْدِي لين تتفاول معنا، فحلف ما يسن له، فجاءت زوجة الأهتش، وأقسمت ما تبزّ شبر لين تفطر وتتقهوى، فالتقط الأهتش حجراً ورجم فحل البساس إلا وهو يتلوّى. ما أكمل الأهتش ثلاث ليال حتى ضربته الحُمّى، وكانت طيحته اللي ما قام منها، وحذفته لفحل البساس سبب موته، وبعد أربعة أشهر وعشرة أيام، كانت السنافية في أبهى زفّة، والقرية في شنه ورنه، وفريح يطلق بالمسدس من فوق رأس عروس أربعينية.