حاول العريفة بكل جهوده احتواء عبدالله اليتيم، على أمل أن يشتري أملاكه، أجلسه في صدر المجلس، ذبح له كثيرة الشحم، والرجال مطنقر، كونه ورث عن أهله محرثة عشرة أيام، ولا معه حرمة ولا ولد ولا تلد، ولما أعيت العريفة الحيل، ناصبه العداء، وأقسم ليخلي ملحه ما يملح، وفي إحدى العرضات، هجم العريفة عليه أمام الناس، وأخرجه من الصف، وهاجمه «إنته ما تعرف تعرض، تِخْلِف، العراضة نقلتهم هيلة، أندر من عرضتنا لا تخربها أخشعك الله». ضحك الفقيه الذي كان متكئاً في درجة مجاورة لساحة العرضة، وناداه: تعال جنبي يا بو عابد، خلّك من العرضة، والتمرغ في الغابرة. صعد إليه. سأله: إنت تبغي تكويه؟ أجاب: إي والله تكفى، شوفة عينك ما هلا يتحقرني قدام الناس، ظهرت (حمدة) فشال الفقيه بالطرق «يا نهر ظلّت شفوفك ترتعش قاعة البير، متوزي عن كفوفي سدّ سبعين قامة» ضحك عبدالله، فقال الفقيه: بنزوجك حمدة أرملة أخو العريفة وخلك تنشب في حلقه وتوقفه على حدود محارمه. ما كذبت حمدة الخبر، وبذل العريفة كل الجهود لإفساد الزيجة، وأرسل نقالة الهروج، ليحذرها «الرجال ما معه من عقله سلتة، وعتلته مثلّمة»، وإذا لقي عبدالله قال له «وش تبغي بحمدة مبرد الرجاجيل خذت قدامك خمسة آخرهم آخي وشفطت الدم والدسم وتقاطروا كلهم على المقبرة»، لم يصغ إليه، فعلّق: والله إنك لحوقة من غدى. قرر أبو عابد يتزوج في رمضان، وأقنع العروس أنه ما عاد له قدرة على التأجيل، قال: بنذبح شاة نتعاشاها أنا وإنتي، والفقيه بيقصّد لنا ويسمر معنا، وتم الزواج، وبدأت ملامح العافية والنظافة تظهر على أبو عابد، وحاول العريفة يسفّره مكة لحاجة في نفسه، فحرّض سواق الخمسة طن أبو حسن على إقناعه بالسفر لأداء العمرة. بذل أبو حسن جهودا في إقناعه بمرافقته، ورمى عمامته من فوق كتفه في حثله، مردداً دخيلك رافقني، سأله: ليش أرافقك ؟ أجابه: تعتمر وتحوف وتطوف وتشوف، قال «إنت ما تشوف بلادي محقلة؟ إفلح ألمح لك لمن يعتمر معك». وأضاف «الفقيه علّمني بأن اللي يصلي الصبح وينتظر حتى يسفر النهار ويصلي ركعتين له أجر العمرة، ليش أفلح مكة، ومكة عند بابي يا حُبابي». علمي وسلامتكم.