أحبطت الشرطة النمساوية الأسبوع الماضي أكبر عملية تهريب مخدرات من نوعها بالعالم كانت متجهة إلى المملكة العربية السعودية، حيث تم ضبط 30 طنا من حبوب (الكبتاجون) اللبناني، وهذه تعادل 60% من كمية الاستهلاك العالمي للمخدرات عام 2007. ونمو العرض والطلب على المخدرات ليس قاصرا على دولة معينة بحد ذاتها، بل إنه من أبرز التحديات التي تواجه كافة الدول. فالتقرير العالمي للمخدرات لعام 2020 الصادر عن مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أوضح زيادة في استخدام المخدرات دوليا عام 2018 عن العام السابق وبنسبة تقارب 30%، وأن نسبة المتعاطين بلغت 5.4% من إجمالي سكان العالم، وكان الشباب الفئة الأعلى منهم. وأشار التقرير إلى أن مضبوطات الإمفيتامين (الكبتاجون) تضاعفت 400% خلال الفترة 2009-2018، مع ملاحظة النمو السريع لأسواق هذا المخدر في منطقة الشرق الأوسط، وأن معظم الميثامفيتامين المخدر يصنع سرياً في إيران. ونبه لاحتمال تزايد نسب جرائم المخدرات مستقبلا بسبب: ارتفاع معدلات البطالة، وتكاليف المعيشة المترتبة على انتشار وباء كورونا، وظهور جماعات جديدة تشتري وتبيع المخدرات على شبكة الإنترنت، والتنوع الكبير في المواد المخدرة وتركيباتها وعمليات تصنيعها. ولأن تبعات المخدرات متشابكة وتؤثر في محيط واسع من الدول بل العالم بأسره، فمن المهم تعزيز وتكثيف التعاون الدولي للتصدي له. ولكن مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لم يكن متفائلا في هذا الصدد. حيث أفاد بأن الدول المختلفة، على الرغم من تعهدها بالعمل معا للتصدي للتحديات العديدة التي تفرضها المخدرات، فقد تدنى مستوى التزامها في هذا الشأن، مدللا على ذلك بانخفاض حصة المساعدات الإنمائية المخصصة لمكافحة المخدرات من إجمالي المساعدات الإنمائية المقدمة خلال الفترة 2000-2017 وبنسبة قاربت 90%. وهذا الأمر يثير الاستغراب بنظري، فالمجتمع الدولي وخصوصا القوى العظمى كأمريكا ومجموعة السبع تأتي على رأس قائمة الدول المستهلكة للمخدرات، ولكن هذه القضية ليست ضمن أولوياتها الدبلوماسية. فأمريكا توفي لديها ما يقارب 92 ألف مواطن خلال فترة 12 شهرا حتى أكتوبر 2020 جراء المخدرات، كما أشار تصريح صحفي صادر عن البيت الأبيض في 28 مايو 2021. ولكنها لم تدرج التعاون الدولي لمكافحة المخدرات ضمن أولوياتها الدبلوماسية الواردة في ورقة الحقائق عن الميزانية المقترحة لوزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2022، الصادرة 28 مايو 2021 عن مكتب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، بل إنها ركزت اهتمامها على قضايا ما أسموه الترويج لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ودعم الانفتاح والحرية ومساندة الفئات السكانية المهمشة بالمجتمعات. ولذلك نجد بعثاتها الأجنبية حول العالم تحرص على رفع علم قوس قزح إلى جانب العلم الأمريكي في مقراتها احتفالا بالهوية القبيحة للشواذ خلال شهر يونيو. بل إن وزير خارجيتها صرح في 1 يونيو 2021 بأنهم (يحتفلون خلال شهر الفخر لهذا العام برسالة مضمونها أنتم مشمولون، وأن الوزارة ملتزمة بزيادة مستوى المساهمة الأمريكية بالموضوعات المتصلة بالحقوق الإنسانية للشواذ، وسوف يعملون مع شركائهم حول العالم لأجل بناء مجتمع عالمي آمن ويشمل بشكل أكبر الشواذ، وسوف يسعون إلى تسليط الضوء دوليا على المناهضة التي يعاني منها الشواذ في بعض المجتمعات). والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها، أننا بدأنا نشهد على الساحة الدولية تغافلا مضطردا لمشكلة المخدرات واهتماما متزايدا بقضية الشواذ. فلجنة المخدرات في الأممالمتحدة لم تتردد عن إصدار قرار بسحب نبتة القنب (الماريغوانا) من لائحة المخدرات الخطرة بالعالم، بينما بادرت 85 دولة عام 2011 بتوقيع بيان تعرب فيه عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب ضد الشواذ ليعتمد بموجبه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أول قرار للتصدي لهذه القضية. وهذه الحقيقة يجب أن تتنبه لها دولنا العربية والإسلامية، وتدرك أبعاد القواسم المشتركة لانتشار المخدرات والأفكار المتحررة المنافية للدين والفطرة الإنسانية كالشذوذ. فكلاهما يسعيان، ضمن إطار برنامج العولمة الجديدة، إلى إسقاط منظومة الأديان والأوطان والقيم والمبادئ وتخدير المجتمعات لصياغة كيانات متشرذمة لا تربطها هوية دينية وطنية اجتماعية واضحة، للتمكن من السيطرة عليها وقيادتها بسهولة واستنزاف ثرواتها. والمملكة العربية السعودية، في ظل القيادة الحكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، تعمل جاهدة لمواصلة البناء التنموي بما يحقق الرفاه لشعبها، وتعي أن الإنسان هو الثروة الحقيقية للوطن. ولذلك حرصت الأهداف الإستراتيجية لرؤيتها التنموية 2030 على أن يكون أهم محاورها بناء مجتمع حيوي مرتكزاته قيم راسخة وبيئة عامرة وبنيان متين. كما تضمنت توجيهات تلك الرؤية الاهتمام بالأسرة، والاعتزاز بالهوية الوطنية، والحياة وفق المبادئ الإسلامية، وتوفير حياة عامرة وصحية بتعزيز حماية المجتمع تجاه المخدرات. ولضمان تحقيق الأهداف المنشودة، في ظل ما يسود الساحة الدولية من دسائس، يجب الحرص على: 1. التصدي للتحركات والبرامج الخبيثة التي تسعى لسلخ أبناء وبنات الوطن عن دينهم وقيمهم وتقاليدهم وهويتهم بدعوى التطور والتحرر وبغطاء ما يسمى الديموقراطية وحقوق الإنسان. 2. تعزيز قدرات جهاز مكافحة المخدرات والأجهزة الأخرى المعنية، ودعم متابعة جهاز الأمن الوطني ودراسته للقضايا المتصلة بتعاطي المخدرات والانحلال الأخلاقي للشباب. 3. تكثيف برامج الوقاية الدينية والإعلامية لحماية أفراد المجتمع من الوقوع في براثن المخدرات، مع التأكيد على الدور المهم للأسرة (متمثلا بالأب والأم) في هذا الشأن، وضرورة متابعتهم المستمرة ورعايتهم لشؤون أبنائهم وبناتهم وتربيتهم على التمسك بمبادئ الدين وردعهم عن تجاوز سلوكيات الحشمة والأدب والأخلاق الكريمة، والحرص على تشجيع المشاركة الإيجابية للشباب وأسرهم ومدارسهم في هذا الأمر. 4. إعادة النظر بساعات العمل للأسواق التجارية والمطاعم والمقاهي وتقليصها لضمان لم شمل أفراد الأسر في منازلهم. 5. الحرص على إبراز أبناء وبنات الوطن المخلصين المتميزين الذين يتسمون بدرجة عالية من الدراية والالتزام والاعتزاز بالهوية الوطنية، في المنابر الثقافية والترفيهية والإعلامية ليكونوا المثال الذي يحتذى به. 6. تطوير مناهج لتعليم الطلبة والطالبات بالطرق الآمنة لاستخدامات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوعيتهم بالممارسات الخبيثة للمجموعات ذات الانحرافات الأخلاقية والدينية. 7. عدم التهاون بتاتا في إلزام الممثليات الأجنبية احترام والتقيد بتعليمات الدين والقيم والعادات والموروث الثقافي والاجتماعي للوطن. خاتمة: من أقوال الشاعر بديوي الوقداني: دنيا عجوز وغيّها ما تغيّر تضحك مع الجاهل وتعجب هل الغيّ جار الزمان وحد نابه وكشّر وأسعار طارت والمخاليق في ليّ والنّار شبّت والحطب ساع جمّر واللي يدوس النار يصبر على الكيّ والنّمر جنّب والحصيني تنمّر يحسب سباع الغاب من جملة الصّيّ والنَمل جَالُهْ ريشْ والنَّسْر عَمَّرْ وليَا استمدَّ الحَبلَ لاَ بُدَّ مِنْ طَيْ وإن كان الأفعى نابها ما تكسر عضت وسار السم لاصق مع الدَّي