أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على ناصر بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود وسارة آل الشيخ    أمير تبوك يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجيستية    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    توصية بعقد مؤتمر التوائم الملتصقة سنويًا بمبادرة سعودية    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    كايسيد وتحالف الحضارات للأمم المتحدة يُمددان مذكرة التفاهم لأربعة أعوام    أمير الرياض يطلع على جهود إدارة تعليم المنطقة في تنفيذ مشروع التحول والحوكمة    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    مدير فرع وزارة الصحة بجازان يفتتح المخيم الصحي الشتوي التوعوي    311 طالبًا وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة موهوب 2    ضيوف الملك يغادرون المدينة إلى مكة    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير كورنيش الحمراء بالدمام (الشاطئ الغربي)    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    بمشاركة 480 خبيراً ومتحدثاً.. نائب أمير مكة يدشن «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه»    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    انطلق بلا قيود    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية وأثرها السيكولوجي
نشر في عكاظ يوم 03 - 06 - 2021

قد يبدو الحديث عمن أُخذ بسحر القراءة، فأخذ يجول على المكتبات ويتسكع في أروقتها ويقيم بين ركام الكتب، يتنفس عبير أوراقها وعبق مدادها، بوصفه قارئاً مثالياً، كالحديث عن أمر ملتبس بيقين خالص.
وذلك لأن ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن القراءة كعمل بنائي إذا لم تصنع عقلاً يستطيع قراءة جل الأشياء من حوله، ولم تخلق من يستطيع أن يسبر أغوار المبهم منها ويسهم بشكل ما في اتساع مخيلة الكِتَاب وتَشَكُل الأفكار النيئة قبل أن تنضج وتتدحرج كجمل فاتنة لتختبئ بين رزم الأوراق فهي لم تحقق الأنموذج المنشود للقارئ المثالي.
سيما أن ما تريده في ضالتها وهو ينكب بحنوه المعتاد على كتاب ما ليقرأه، أن يصغي إلى ما تقوله كل كلمة فيستمع إلى صوتها الخفيض بأناة واهتمام بالغين، ليس لأن في داخله صوتا مشابها طالما تناهى إلى سمعه، ولا لأن كل قارئ هو كاتب محتمل بالضرورة، وعليه أن يفتش بين الكلمات عما يطعم به طفلة إلهامه، بل لأنه يحقق غاية أبلغ وأسمى، يعين من خلالها الكاتب على إدراك أن في داخل كل قارئ ثمة كوناً خاصاً غامضاً على نحو ما، رحبا ولا متناهيا، لكنه في الآن ذاته ليس عصيا على الفهم ولا متمنعا عن اجتلاء مساربه، وأن القراءة هي الأداة التي تجلو غموضه والمؤلَف الثاقب هو العدسة التي تقدمها دواته إلى القارئ ليرى من خلالها وعن كثب كل جرم في كونه الفسيح، ولكن هذا يحتاج لأن يكون يقظاً بما يكفي لتحييد رغبته والتقاط المعنى كما هو.
ولذلك كان لكل قارئ مثلما لكل كاتب أثره على العملية الإبداعية ومقدرته الخاصة أيضاً على تطوير أدواته للارتقاء بذاته إلى مرتبة القارئ المثالي، فإن لم يفعل فلا أقل من أن يخلق من آخر كاتباً أمثل، وهو ما يتم عادةً في عملية يمكن وصفها بالبناء الإبداعي أسوة بالبناء الضوئي، انطلقت منذ اتخذ الكِتاب الشكل الذي نألفه اليوم وبدأ اقتناص الأفكار المتطايرة هنا وهناك عن الحياة والأحياء لتحويلها إلى أعمال أدبية ومعرفية حتى أصبح الكتاب «امتداداً لذاكرة الإنسان ومخيلته» كما يصفه خوروخي بورخيس.
ففطن الكاتب الأمثل مذاك إلى أن كل مؤلَف هو مشعل يضيء عتمة ما، في داخل ذلك الكون ويستنبت في فضائه شعور المكان بتطاير الفراشات نحو الضوء، وقدرة ألوانها على إشاعة البهجة وتحويل كل ومضة إنسانية إلى أداة تخز الضمير لإبقائه يقظاً.
ولذلك كان تأليف ما يثير الحماسة وما يمكن وصفة بفائق الجمال ونعته بالمؤثر، وتحويل الأفكار والرؤى إلى غيمة تصب زخاتها في نسغ القارئ وتكسبه شدة وعنفواناً عملا نبيلا وبالغ المتعة لكنه شاق ومضن في الآن ذاته، لأن بلوغ ما يلهم الروع ويجعله يتراقص غبطة وفرحاً ويحبس الأنفاس ويعيد الشعور الإنساني سيرته الأولى لا يتأتى دون مشقة وجهد كبيرين يتضاءلان شيئاً فشيئاً حتى مشارف الصفحة الأخيرة حيث تستبدلان بشعور بهيج وماتع.
وهو أيضاً عمل يحتوي على تفرد ملفت في اقتناص الفكرة والإمساك بالضوء العابر والعبق والحنين والتقاط ومضة قبل تلاشيها وقدرة خاصة على وصف أدق الأحاسيس كمشاغبة الشذا المتطاير لطفل يركض خلفه، وشعور نبتة برية هوجاء قبل تشذيبها، وتوصيف عاطفة بين برعم وزخة مطر، حتى تدب الحياة في النص وتقفز الشخصيات إلى خيال القارئ ويتنامى شعوره بالحياة وينبعث في أوصاله ألق آسر، يعيده إلى ذلك الكون الذي في داخله ولذلك بالضبط هو ممتع.
وكما أن في الكتابة ما يهدئ روع الطفل المذعور في داخلنا ويلفت انتباهه إلى الجمال في ما يملك ويصرف نظره عما لا يملك ويعيد عينيه برفق إلى أشيائه فإن للقراءة ما يحيل تلك المساحات القاحلة في ذواتنا إلى بساتين غناء وحدائق ورافة الظلال وسرور يشبه ذلك الذي ينتابنا حال سفرنا إلى المدن التي لا تنام.
وشاق لأن نجاح أمر كهذا يستلزم جهداً مضاعفاً وعملاً دؤوباً ليصبح الكاتب ماهراً في ترويض الفكرة مهما بدت جامحة حاذقاً في انتقاء العبارات التي تغري انعطافاتها، وقادراً على عجنها بإحساس متفرد آسر يتسلل إلى قلب القارئ عبر أوردته فتطرد أنفاسه، وبذلك يصبح «قادراً على إثارة الدهشة والذهول» وهي قدرة لازمة للمبدع كما يرى الروائي الأريتيري حجي جابر.
وهو بذلك يقترب كثيراً من إلهام القارئ وإعانته على استرداد ما نهبت الحياة من إنسانيته ومزاولتها بخفة واستعادة رشاقة روحه والتخفف مما علق بها من اللامبالاة بمصائر الآخرين التي أفقدت الإنسان كثيراً من قيمه.
بيد أن تلك العملية رغم ضخامتها إلا أنها لا تعدو كونها مرحلة أولى تؤسس لأخرى لا تقل عنها أهمية وترتبط بها ألا وهي الأثر الذي يبقيه ذلك العمل في (روح القراءة) وإلى أي حد سيبقى عالقاً في ذهنها وقادراً على إضاءة أشد الأماكن عتمة في عقل القارئ وقلبه وإبقائهما فاعلين والإبقاء كذلك على روحه متأهبة لمزاولة إنسانيتها أنّى كانت هناك حاجة، وهو المعيار الذي يقاس إليه نجاح الكتاب في الوصول بصاحبه إلى مرتبة الأمثل.
ولعل الرواية والقصة تحديداً هما من تملكان تلكم القدرة أكثر مما سواهما من فنون الأدب الأخرى فهما على عكس الفنون التي تبدو بكائية وغير جادة أو تلك التي تغلف بصبغة نرجسية يأنف القارئ أن تلتصق بأنامله ناهيك عن عقله أو تلك التفاسير المتقعرة للحياة التي تزيد من الشكوك والجهل أو تلك التي تكيل النصح للقارئ بتعالٍ لا يستمرئه أو تلك التي تظهر إستاتيكية المؤلِف العقلاني ومحاولة إثبات أفضليته من خلال محتوى المؤلَف لأن القارئ يرى في كل ذلك عقلاً يرتدي الحكمة المزيفة ليرائيه بها، فيبدو حديثه مرتبكاً ومثيراً للشكوك ما يعطل قبوله ويحول دون استحسانه.
أما الرواية والقصة فهما تقعان في المنطقة الوسطى بين العقل والروح ولذلك هما تنبضان بالحياة والحكمة، فنزر يسير من ذلك المداد الذي يغمس فيه الروائي أو القاص دواته يفرز كماً من الإحساس يفوق الذي تحتويه المؤلفات المتخشبة لأنه حين يُقرأ يتحول إلى مخلوق شفاف يتسرب من حدقه القارئ إلى كونه الداخلي كجرم مشع يصيبه بالصخب.
كما أنه يمرر الحكمة من خلال أبطالها ومعاركهم وانتصاراتهم وانكساراتهم وما يخلصون إليه، لتسري في جسد القراءة، وكما أن الرواية والقصة تتحليان بالحكمة فهما أيضاً تتمتعان بالفطنة والدهاء في استدراج القارئ لأنهما حين تضعان حول محتواهما سياجاً لا يمكن اقتحامه فهما تدعان باب فناءهما موارباً وما إن يدلف القارئ إلى إحداهما حتى تبقيه منشغلاً ولا تدع له لحظة بليدة واحدة إلا عقب أن يستنبت جذوراً رطبةً بدلاً عن تلك التي جفت بسبب اللا مبالاة فتعيده إنساناً مكتمل العنفوان سليم الخلق، وتبقي أبطالها سائحين في روحه ليكونوا جزءاً من أثرها السيكولوجي الذي يكبح جموح الطبيعة البشرية ونزقها ويعيد ترميم التآكل الأخلاقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.