تعقد دهشة الإعجاب لسان الزائر لقرية «القصّار» في محافظة فرسان، فهذه الواحة الباذخة آسرة ببناء حجري هو أقرب إلى رص قلوب على بعضها، أو تلاصق أفئدة بأضلاع جسد، ما يبعث أسئلة عن مدى اقتدار الإنسان على إقامة حضارته على أراضي المملكة شأن أي إنسان متحضر على وجه الأرض. وتعلو الاستفهامات عن كيفية تفجّر ينابيع المياه العذبة في مركز بحر لجي ماؤه أجاج، ومن أين توفّرت الصخور التي قدّت منها المكعبات لتشييد منازل تاريخية، وبأي حدس ومهارة استزرعت النخلة لتمنح الرطب، وتهب السعف، والجريد الذي يحول بين رؤوس القاطنين وانهمار المطر. تؤكد الدراسات والبعثات الحفرية أن عمر القرية يتجاوز 9 آلاف عام، وتضم القصار نحو 400 بيت، تزين معظمها نقوش زخرفية وكتابات قديمة، وتتوسطها آبار الماء، وتنمو حول الأحجار الصفراء الشجيرات الخضراء الموزعة بصورة عفوية، وبقربها وادي (مطر) الشهير بقطعان الغزلان، وبه موقع الكدمي الأثري، ويعيدها البعض إلى العهد الروماني. وظلت القرية التاريخية مصيفا متوارثا لسكان جزيرة فرسان أثناء مواسم جني الرطب. وبداخلها ما يشبه مباني قديمة وفيها بعض الرسومات والكتابات القديمة جدا بعضها تعود للعهد الحميري، وجوارها قلعة لقمان، على تلة مرتفعة، وحولها أطلال حصن دفاعي قطره أكثر من 10 أمتار بني بحجارة ضخمة وهو في مكان استراتيجي بالنسبة للجزيرة. ويعود هذا الحصن الأثري إلى الفترة الإسلامية المتأخرة. وتمثل القصار إحدى قرى أرخبيل جزيرة فرسان في الجنوب الشرقي من البحر الأحمر أهمية تاريخية لمنطقة جازان، وكان الأهالي يعودون إليها على ظهور الجمال إثر انتهاء موسم صيد سمك الحريد أواخر شهر أبريل، ويعرف الموسم باسم «العاصف»، الذي تشتد فيه حركة الرياح. وتقدم القرية وجبات أثيرة من خلال المطاعم والمقاهي الشعبية، وتتيح زيارة متحف التراث الفرساني ومعرض الحِرف البحرية، ومحلات بيع المنتجات الفرسانية التراثية.