حينما عدت من بريطانيا في أوائل الثمانينات الميلادية متأبطاً شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي وشيئا من الذكريات الجميلة التي عشتها إبان دراستي هناك، احتفى بي الصديق العزيز الدكتور عبدالله الغذامي الذي رشحني لمجلس إدارة نادي جدة الأدبي وكان رئيسه في ذلك الوقت الأديب الرائد الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين. فحضرت أول فعالية أدبية بعد صدور القرار، فكنت في غاية السعادة والدهشة لأني رأيت كوكبة من الأدباء السعوديين الرواد الذين كنت أقرأ لهم منذ نعومة أظفاري، فقد جاء إلى تلك الأمسية الأساتذة: محمود عارف وعزيز ضياء وعلي فدعق ومحمد حسن فقي وحسين عرب (رحمهم الله وغفر لهم)، وغيرهم من الأدباء والمثقفين أمثال محمد سعيد طيب وعبدالمقصود خوجة (شافاه الله) ومحمد صادق دياب (رحمه الله). وقبل أن تبدأ الأمسية بقليل إذا بذلك الرجل الأنيق الطويل الذي يدخن الغليون بطريقة فنية رائعة، فقال له أبو مدين: أهلاً يا دكتور عبدالله، فالتفت إلى الغذامي فهمست في أذنه من عبدالله؟ فقال لي: أعرفك على الأديب الكاتب الدكتور عبدالله مناع، وكان في ذلك الوقت رئيساً لتحرير مجلة «اقرأ» التي حملها على كتفه إلى مائدة الأدب والفكر والثقافة لتصبح رمزاً معرفياً وثقافياً رفع لواءها الدكتور عبدالله مناع. وبعد ذلك تكررت اللقاءات معه في النادي وفي الاثنينية وفي ثلوثية محمد سعيد طيب وربوعية يحيى توفيق وفي الجنادرية، فبعض الأحيان نذهب سوية إلى الرياض أو نلتقي في الفندق أو في صالة النشاطات الثقافية، فكان الدكتور عبدالله مناع شمعة المجلس ونجم المحفل بفكره النير وثقافته الثرة وشخصيته المرحة وذوقه الرفيع. الدكتور المناع ساهم بقلمه في إثراء الساحة السعودية منذ عهد الرواد وكان يكتب في مساقات متنوعة من السياسة إلى الأدب إلى الاجتماع إلى الشأن العام إلى قضايا الفكر والمعرفة بأسلوب رائع وقلم ناصع وجرأة مطلوبة في الحق، وقد أثر في جيل كامل من شداة العلم والأدب والثقافة. رحم الله الدكتور عبدالله مناع رحمة واسعة، لقد أخلص لفكره وأدبه ووطنه فكان رمزاً من رموز هذا البلد العزيز، فجزاه الله خير الجزاء، إنه سميع مجيب.