لم تكن قمة العلا الخليجية كسابقاتها؛ توقيتا ومكانا ومخرجات؛ كونها رمت خلافات الماضي وراء ظهرها؛ وطوت صفحة الماضي؛ حيث انعكست مخرجات القمة بجلاء على نتائج إعلان العلا والبيان الختامي؛ كمؤشر مهم على طريق تسوية الخلافات الخليجية الخليجية بشكل عام والتباينات بين الدوحةوالرياض، والدخول في مرحلة خليجية محورية جديدة بعيدا عن التوترات التي سادت داخل الأسرة الخليجية الواحدة؛ بعد أزمة خليجية دامت لأكثر من 3 سنوات. وجاء انعقاد القمة في العُلا، برئاسة ولي العهد، ليعكس محورية الدور الذي تضطلع به الرياض، وتأكيدًا على مسؤولياتها التاريخية كشقيقة كبرى لدول المنظومة الخليجية. وعندما أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبيل انعقاد القمة أن القمة ستكون «جامعة للكلمة موحدة للصف ومعززة لمسيرة الخير والازدهار»، مشيرا إلى «لمّ الشمل والتضامن في مواجهة التحديات التي تشهدها منطقتنا»؛ فإنه عقد العزم على إطلاق مرحلة جديدة من الوئام ولمّ الشمل وإنهاء الخلافات وطي صفحتها إلى غير رجعة. ونجحت القمة التاريخية بامتياز في العلا، حيث تمت استعادة اللحمة الخليجية والتأكيد أن أمن واستقرار وازدهار دول الخليج هي الأولوية الأولى في المرحلة القادمة. وكان موضوع تضييق فجوة الخلافات بين البلدين الجارين، قطر والسعودية، من وجهة نظر الدول المعادية والمتآمرة؛ إلى عهد قريب بعيد المنال بزعمهم ؛ ولكن الإرادة والتصميم السياسي الذي كان ولا يزال حاضرا لدى القيادة السعودية بالدفع نحو الانفراج ورأب الصدع دون إغفال أهمية أن تكون الحلحلة جماعية بين جميع أعضاء المنظومة وليست ثنائية كون المملكة تسعى لتعزيز العمل الجماعي الخليجي ككل وتعزيز التعاون والتنسيق بمجالات مكافحة الإرهاب والتضامن في عدم المساس بسيادة أي منها أو تهديد أمنها، وفي عدم استهداف اللحمة الوطنية لشعوبها ونسيجها الاجتماعي. لقد شدد إعلان العلا على حرص القادة على دفع مسيرة العمل الخليجي المشترك إلى جانب تعزيز أواصر البيت الخليجي وترسيخ مرتكزاته وتنسيق المواقف الجماعية تجاه القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؛ وهذه نقاط ليست جوهرية فحسب بل إستراتيجية لمواجهة التحديات والتحضير لأرضية مشتركة، تكون الأساس لإعادة ترميم العلاقات الخليجية. ويشير مراقبون خليجيون إلى أن انفراج الأزمة وتغير الأجواء في المحيط الخليجي سيكون له تأثير عال إزاء التعامل مع المتغيرات الإقليمية وإرغام الأطراف المزعزعة للاستقرار الإقليمي مثل نظام خامنئي وأردوغان على إعادة النظر في سياساتهما للتعامل مع خليج موحد مختلف عما كان قبل 5 يناير،كونه ولأول مرة منذ العام 2017 تنعقد القمة الخليجية، بتوافق جميع دول المجلس في رسالة تعكس الدور المحوري الكبير الذي قامت به الرياض في إطار جهود إنهاء الأزمة القائمة، والثقة الكبيرة في قيادتها السياسية وحرصها على لمّ الشمل وتحييد الخلافات. ويؤكد المراقبون أن ما بعد تاريخ 5 يناير سيكون مختلفا عما قبله خصوصا أن كلا من البحرين والإمارات ومصر فوضت المملكة للتعامل مع مرحلة ما بعد 5 يناير وفق ما تتطلبه مقتضيات المرحلة حفاظا على اللحمة الخليجية وسياسة عدم التدخل ووضع المصالح الاستراتيجية العليا مع الحفاظ على سيادة واستقلال وأمن المنظومة الخليجية واعتبار أن أمن الخليج هو كل لا يتجزأ وتماسك المنظومة الخليجية. رغم تعقيدات أزمة العام 2017 وتشابكاتها إلا أن أمن ووحدة دول مجلس التعاون الخليجي يكبران أمام أية خلافات وهو المنطلق الذي على أساسه انطلقت الاتصالات والمشاورات المتعلقة بحلها على مدار جولات عديدة بدأت منذ أواخر العام 2019 وتوّجت بإتمام المصالحة في قمة العُلا الخليجية. إن توقيع الدول الخليجية على بيان العُلا دون تسجيل أي ملحوظات أو تحفظات يعكس نجاح قيادة المملكة لجهود عقد هذه القمة في إطار تعزيز التضامن الخليجي ولم الشمل وتوحيد الصف والنهوض بالتعاون إلى مجالات أرحب. ويعتبر مراقبون أن وجود قرار جماعي خليجي موحد يضعف الأنظمة التخريبية والطائفية، حيث ظهر ذلك جليا في البيان الختامي الذي شدد على رفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وإدانته لجميع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران، وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية، في انتهاك واضح للأعراف والقيم الدولية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، والتأكيد على ضرورة الكف والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح المليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لاستهداف المدنيين، وتهديد خطوط الملاحة الدولية.. لقد نجح بامتياز محمد بن سلمان في إعادة تموضع مجلس التعاون.. هل وصلت الرسالة لنظام قم والتنظيمات الظلامية.. خليج ما بعد 5 يناير غِيْر.. طي الخلافات.. التحوط للمتغيرات..