في يوم خريفي معتدل من شهر نوفمبر عام 1981 تم الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الخليجي لتوحيد المواقف وتحقيق التكامل وفي الوقت نفسه مواجهة تمدد الثورة الإرهابية الإيرانية، إذ تنبه صناع القرار في حينه لفلسفة الفكر الإرهابي الطائفي، واصطفت قيادات دول المجلس في خندق واحد لمواجهة تلك المرحلة، واستمر هذا الاصطفاف حتى يومنا؛ مع ازدياد الأزمات التراكمية وتوسع دائرة التهديدات بعد تخندق الفكر الطائفي مع الفكر الإخواني الظلامي، ضد الرغبات التوسعية لهذين الفكرين الإرهابيين. صحيح حدثت بعض التباينات وأزمات ناشئة بين دول المجلس في الماضي، إلا أن الأجواء اليوم يسودها التفاؤل والأمل ونحن على مقربة من انعقاد قمة العلا الخليجية لاستعادة التضامن الخليجي ولمّ الشمل وعدم السماح لأي اختراقات داخل البيت الخليجي. ومن الأهمية بمكان والمملكة تستضيف قمة الوئام الخليجية في العلا أن تتصدر الشفافية جميع الأطروحات، كون التهديد واحدا والمصير مشتركا والمصالح متداخلة وموحدة حتى تتجنب دول المنطقة محاولات الفكر الإخواني الظلامي تأجيج الصراعات وتكريس فكر الإسلام السياسي والمتاجرة بقضايا الأمة الإسلامية. لم تتراخ المملكة التي تعتبر صاحبة الدور الأكبر في دعم منظومة مجلس التعاون ومسيرة العمل المشترك إطلاقا في الحفاظ على البيت الخليجي من الداخل، وقد تجلّى ذلك في العديد من الإسهامات والمشاريع الإستراتيجية، ومن أهمها رؤية الملك سلمان في العام 2015 الرامية لتحقيق التكامل المنشود أمنيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا. المملكة قالت كلمة الفصل من اليوم الأول حول خطورة جماعة الإخوان، وتم تصنيفها جماعة إرهابية.. واليوم تتعالى الأصوات في دول الخليج من أجل كبح جماح الأفكار الإخوانية المتطرفة، التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على وحدة النسيج الخليجي. إن خطر «الإخوان» التدميري لم يعد تهديدا نظريا بل على أرض الواقع، ومن المؤكد أن قادة دول المجلس استشعروا الخطر، لمنع استمرار جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة، كون فكر الإخوان لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها. واليوم دول مجلس التعاون تحتاج أكثر من أي وقت مضى لتأكيد صرامة الموقف الخليجي والابتعاد عن التعاطف مع الجماعات الإرهابية التي تعمل على شق الصف وإشعال الفتنة وسفك الدماء، إلى جانب تقديم توصيف دقيق لخطورتها على المجتمعات وبحث تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية ضالة ولا تمت للإسلام بصلة وكشف مخططاتهم وفضح عمالتهم كونهم استباحوا الدماء وانتهكوا الأعراض ونهبوا الأموال، واتجاهات هذه الجماعة لا تؤدي إلى الاستقرار بل تؤدي إلى زعزعة استقرار الدول والبراهين على الأرض أثبتت أنها جماعة إرهابية للتخريب والتدمير. ولقد حظرت وزارة الداخلية السعودية قيام أي شخص بتأييد التنظيمات أو الجماعات أو التيارات أوالتجمعات أو الأحزاب (المدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية) أو إظهار الانتماء لها أو التعاطف معها أو الترويج لها. ولا يزال تنظيم الإخوان المسلمين المصنف إرهابيا في عدد من الدول العربية يثير هواجس الدول والمجتمعات، خصوصا أن للشعوب تجربة مريرة مع هذا التنظيم المتطرف. ولقد حذر وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ من هذا التنظيم قائلا: «تنظيم الإخوان الإرهابي يحارب كل من يحذر من خطر الجماعة، والإخوان اللامسلمين يمارسون الإرهاب المروع ضد كل من يحذر من خطرهم أو يكشف منهجهم ويعريه». لقد شكلت جماعة الإخوان في بعض الدول حكومة عميقة، وينتشرون في مفاصل الدول ويقمعون بل ويدمرون كل من يفضحهم أو يتعرض لهم، سلاحهم الكذب والتزوير والغدر. وجميع قادة دول المجلس يعون خطورة المرحلة، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يتمتع بعلاقات وثيقة ووطيدة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ويحظى بتقدير كبير وبالغ لأدواره القيادية والتاريخية في حفظ كيان المجلس وصون أمنه والذود عن مكتسباته، حريص على التواصل مع إخوته قادة دول المجلس خدمة لمصلحة شعوب الكيان الخليجي، وتعزيز روابط الأخوة مع بقية دول المجلس، فضلا عن تعظيمه مبدأ التشاور الدائم مع دول مجلس التعاون لمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية. إن جماعة الإخوان المسلمين مثلها مثل السرطان كون طريقة عملها وقدراتها تتضح من خلال التغلغل داخل المجتمعات، وهي جماعة منتشرة، ولديها القدرة على التكيف. ويساعد «الإخوان» في تنفيذ فكرهم الإرهابي أنهم يتحركون بصورة تدريجية، ففي مراحل حكمهم الأولى يكتفون بالدعوة، وبمجرد وصولهم لدرجة كافية من القوة يظهرون مبدأ «المغالبة» (بالقوة)، ثم «التمكين»، أي السيطرة المطلقة. ومن الضروري إدراك حقيقة فكرهم الإرهابي في مرحلة مبكرة. ولدينا أمثلة في تغلغلهم في تونس وليبيا وسورية ومصر، إضافة إلى دول أخرى إسلامية تعاني من ويلات هذا التنظيم الذي تسبب في التدمير خدمة لأجندات خارجية، لكن هذا المسار تغير بعد أن قررت دول عربية عدة الوقوف بوجه هذا التنظيم والعمل على تجفيف منابعه الفكرية والمادية. قمة العلا ستكون خطوة فارقة لعودة اللحمة الخليجية من خلال التحوط للتهديدات المشتركة.. المطلوب الشفافية لدحر «الإخوان» كونهم قنبلة موقوتة.