أشفق بحق على كثير من البسطاء الذين ينخدعون بشخصيات بعض مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي أو يسرقهم الاعتقاد بأن هؤلاء «أبطال المرحلة» ورموز المجتمع الحديث، بل واعتبارهم القدوات التي ينبغي أن يقدموها لأبنائهم ليصبحوا مشاهيرَ مثلهم في المستقبل. كان الإعلام في السابق يصنع الصورة الذهنية لمن يريد في عقول الآخرين، ولطالما مارست بعض وسائله ومنصاته الخداع والتضليل وتحويل الأغبياء إلى عباقرة والجبناء إلى فرسان والبخلاء إلى حواتم عصرهم، لكن ذلك كان محصوراً في نطاق ضيق وسرعان ما ينكشف وتنتهي مسرحية أي وسيلة إعلامية على يد وسيلة إعلامية أخرى في ظل المنافسة أو المكايدة والمشاغبة، أما في زمن منصات التواصل الاجتماعي فقد تهشمت كل المعايير وبات الشخص قادراً بنفسه على صناعة صورة ذهنية له في عقول الناس بامتلاكه بعض أدوات التسويق مع معرفة جيدة بأساليب الدعاية النفسية، أو حتى الاستعانة ببعض الخبرات في هذا المجال. لو بحثت في محرك البحث الشهير «جوجل» اليوم عن «صناعة الصورة الذهنية»، أو أدوات تسويق الذات في شبكات التواصل الاجتماعي أو عن «التسويق النفسي والعصبي» لحصلت على آلاف المعلومات المثيرة، خصوصاً من المواقع الأجنبية (المحتوى العربي ضعيف وفقير بشكل عام على شبكة الانترنت)، ولتمكنت بسهولة من وضع استراتيجية تسويق لنفسك تحولك إلى مشهور ورمز اجتماعي يشار له بالبنان في غضون أشهر قليلة، لكنك في هذه الحالة لن تكون أنت، بل ستكون «كذبة» من صنعك الشخصي، وهذا بالطبع أمر لا يثني كثيراً من الناس عن خوض التجربة بحثاً عن الامتيازات والفوائد التي توفرها الشهرة لهم. المثير للشفقة هنا ليس كذبك على نفسك فهذا أمر راجع لشخصيتك ومدى تقبلك لأن تكون شخصاً آخرَ في عيون الناس، شخصاً لا يشبهك ولا يحمل ذات القناعات التي تحملها ولا يؤمن إلا بالأضواء والمنافع.. المثير للشفقة بحق هو سهولة انخداع الناس بكل شيء في شبكات «التكاذب» الاجتماعي، ويصبح الأمر في غاية الخطورة عندما يستغل هذا من لديه أهداف ضدهم أو ضد وطنهم أو حتى أهداف احتيالية للاستيلاء على أموالهم، أو التربح من خلالهم (هذا على سبيل المثال لا الحصر). قيل في هذا الأمر من باب الطرافة «لا تغتر بالدعاية وكثرة الكلام.. فقد صرخ فرعون يوماً: «أنا ربكم الأعلى».. وصدقه الآلاف.. ثم تبين أنه لا يجيد حتى السباحة»! ما ينبغي اليوم على كل عاقل رزقه الله ببعض الوعي، أن يستخدم عقله جيداً ولا ينخدع بكل ما تفرزه منصات «التكاذب» الاجتماعي، كما أن من واجبه الأخلاقي ألا يجعل أبناءه أو من يحبهم صيداً سهلاً وفريسة لموجات الأكاذيب التي تضطرب بها هذه المنصات، ففي النهاية لن يتضرر إلا هم، أما مشاهير هذه المنصات فسيحصدون المال والمنافع قبل أن يختفوا ولا يتذكرهم أحد كما اختفى من قبلهم. كاتب سعودي Hani_DH@