لماذا؟.. بعض الأشخاص أقابلهم لديهم مزاج مولع تجاه ذكريات الطفولة، وفي كل مرة أتحدث معهم أجدهم يحملون ذكريات طفولتهم بين أذرعهم كطفل حديث الولادة، يهتمون بها ويرتبون أحداثها بكل سعادة ودفء، وأجدهم ينزلقون في الحديث عن تلك الذكريات كحبات اللؤلؤ. وغالباً ما أجد نفسي مثلهم، أنغمس في تلك الذكريات حدّ السعادة والانشراح، أرتبها وأنسقها ثم أرددها على أطفالي، وبكل امتنان أتوجه لأبي وأمي على تلك المرحلة الطفولية المطمئنة التي منحانا إياها رغم كُل الضيق والاتساع الذي مَرّ بهما. فمرحلة الطفولة وإن كانت عادية وبسيطة، إلا أنها مع تلك المتواليات من الأحداث نراها مرحلة طويلة وخيالية ومنفردة، وتعدُّ أحياناً مرجعنا المعرفي والروائي الذي قد نتحدث عنه كثيراً، بل إنها مرحلة جوهرية قد تنير العتمة أو قد تُشعل الحسرة دون شعور، فتنعكس أحياناً على شخصياتنا من الداخل وحياتنا من الخارج. فعلى سبيل المثال؛ الكاتب الروسي تشيخوف طفولته كانت مريرة وأليمة وتكرر في سرد قصصه القصيرة مشهد الطفل المُهان المجروح، وكان يقول عن نفسه «في طفولتي لم أحظَ بطفولة». والعكس من ذلك؛ الكاتبة الأمريكية جين وبيستر التي تربت في مناخ متزن وأدبي، تحكي عن نفسها فتقول نشأت في عائلة مثقفة منحتني ثقة عالية، وقد كنت بليدة في الخط والإملاء، وذات مرة خاطبتني معلمتي بأسلوب خشن فقالت بأي حق تكتبين هكذا فأجبتها بكل ثقة وعلو همة «بحق وبيستر!»، مع ذلك تخرجت من جامعة فاسار وأصبحت كاتبة، أديبة، وصحافية مميزة. كُل شخص عاش طفولة آمنة وهادئة عليه أن يتقدم بالشكر والامتنان لمن عاش في كنفهم سواءً؛ أب، أم، جدّ، جدة، خال، عم، معلم، معلمة، كُل شخص تتذكره في طفولتك، منحك مساحة من الأمل، جعلك تبتسم ومحا الخوف من عينيك، وللحظة جعلك سعيداً لا تنسَ فضله وتوجه لهُ بالدعاء والامتنان. [email protected]