منذ سنواتٍ طويلة اعتاد الناس على الاستهانة بمن سبقوهم من الجُعبةِ العقليّة امتدادًا لمخارج الحروف ومحتوى الكلام، فنجد أن الإنسان الحديث في كل زمن يحاول محو تاريخه، والهاء هُنا لا تعود عليه فحسب، بل على أهلهِ الذين هم السبب وراء مجيئه لهذا الكون، حتى عندما يعبّر عنهم أو يصف لهجتهم تجده متعمدًا يكسر وزن الكلمة، وهذا زعمًا منه أنها وتيرة ثقافية تعزف الرفض للماضي على أنه تخلّف، وهذا ما لا تعوّد لسانه الناعم الرقيق عليه! ثم قِس على ما سبق بقية نمطيّات الحياة اليوميّة، حتى القهوة العربية التي مهما تغيّرت الأصالة تبقى أصيلة من محصولها البدائي حتى فوحان فوْهةِ «الدلّة»، في أغلب محلات القهوة اليوم تجد كل أنواع القهوة إلا العربية! فهل هذه محاولة لسكبها على أوراق التاريخ وتلطيخ ما تبقّى منه! وفي المطاعم تجد الأكل الشعبِي نادر وهذا نتيجة بديهية لتسويق فكرة التخلف حتى على ذوق اللِسان، حتى أن كل الأكلات في مطاعمنا صارت غربية! علمًا أن كلامِي هذا لا يرفض الحداثة وفكرة التطور البشري الطبيعي، لكني أعتب من خجل العربي من عروبته في تفاصيل عادية، والأدهى والأمر هو استبدالها بثقافات أُخرى من باب التطور! وهذا أعتقد أنه تراجع وليس تقدما. لكن لبشائر الرؤية كلمة، صار اليوم التراث العربي وتحديدًا السعودي محل اهتمام لا يُستهان بهِ، فنجد أنشطة وزارة الثقافة بتوجيهٍ من سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان تعطِي جرعات مركزة من الجهود المبذولة للأخذ بيد الماضِي ليصافح الحاضر لنصل به إلى المستقبل. وهذا ليس جديدا على السعودية التي تمسّكت بجوهرها منذ زمن، مثل مهرجان الجنادرية الذي له اليوم ما يقارب أربعةِ عقود وغيره من الأنشطة المنطقية والمناخيّة حسب المدن، وما تشتهر به مثل مهرجان الزيتون السنوي في الجوف والتمور في القصيم وغيرها من الفعاليات، لكن تركيز النظر على التراث السعودي في هذه الحقبة التاريخية المهمة وتشجيع الشباب عليه وضعه تحت مجهر الفخر والتقدير، وأعاد تثبيت وتد التاريخ على قمة طويق. وهذهِ بركات صاحب الرؤية الشاب الفولاذِي سمو الأمير محمد بن سلمان، ولا بُقعة تتجه لها بوصلته إلا ولها مستقبل عظيم، وبوصلة الأمير الحديث اتجهت نحو تاريخه العريق. لأن الماضِي هو الأصل، حتى لو كابر الشخص في الحاضر عليه. لا حاضر بلا ماضٍ ولا مستقبل دونه! كذلك التراث هو أساس الحداثة، فلولا بدايات الابتكار لكيّ ثيابك عزيزِي الشاب مثل الاستعانة بالحرارة والضغط ثم الجمر، لاستمرت تجاعيد ثوبك حتى اليوم مثل تجاعِيد عقل صاحبها. كاتبة سعودية Besha224@