كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: أبو الفتح، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري، المعروف بابن الأثير الكاتب. ولد سنة 558ه، كان قوي الحافظة، من محفوظاته شعر أبي تمام، والمتنبي، والبحتري. صنّف التاريخ الكبير المعروف ب«الكامل»، ومن مؤلفاته: «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» وهو أشهر كتبه، ويقول عنه ابن خلكان: «وهو في مجلدين جمع فيه فأوعى، ولم يترك شيئاً يتعلق بفن الكتاب إلا ذكره»، و«الوشي المرقوم في حل المنظوم»، و«الجامع الكبير في صناعة المنظوم والمنثور» و«الجامع الكبير في البلاغة»، وقيل إن تصانيفه كلها التي ألّفها في زمن مرضه، أملاها على طلبته. توفي سنة 637ه.