تشهد المنطقة العربية في الشرق الأوسط الكثير من الأطماع الخارجية، ويتجلى من بينها حالياً مشروعان توسعيان واضحا المعالم؛ الأول هو «المشروع الإيراني» الذي يستند إلى العقيدة المذهبية (الولي الفقيه) التي وظفها الخميني لاختراق الأقليات الشيعية في العالم العربي واستمالتها واستثمارها كحجر زاوية في هذا المشروع الطائفي التوسعي، خاصة في ظل «التمكين السياسي» للشيعة في العراق بعد اجتثاث البعث منذ 2003، وارتفاع أسهم «حزب الله» في حرب يوليو 2006 ضد إسرائيل، أما الثاني فهو «المشروع التركي» الذي يتبناه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويروج لإعادة «الخلافة العثمانية» ويسعى من خلاله لتقديم نفسه كوصي على الطبقة السنية في العالم العربي والإسلامي، وبجانب هذه النزعة الثيوقراطية المزيفة للمشروع التركي، أيضا، له خطاب قومي يعزز النعرة الطورانية لدى الأتراك ويسعى لاختراق المجتمعات العربية بإثارة النعرة القومية والعرقية لدى المواطنين من أصول تركية، ويسعى لاستمالتهم من خلال عروض تقديم الجنسية لهم وتأليبهم على أوطانهم لخلق المزيد من الفتن والقلاقل داخل الوطن العربي، ويشترك هذا المشروعان في المتاجرة بقضية احتلال فلسطين كوسيلة لجذب تعاطف الشارع العربي. هذان المشروعان، لهما جذور تاريخية في الصراع على المنطقة العربية منذ عدة قرون، تنافسا خلالها على إثارة الفتن الطائفية التي كانت ذريعة للفرس والعثمانيين للتسلط على العالم العربي، وفي الماضي كان المشروعان (الفارسي والعثماني) في حالة صراع دائم من أجل التوسع وبسط النفوذ، ما أفضى إلى الاصطدام بين الصفويين والعثمانيين في معركة «جالديران» عام 1514 التي انتهت بانتصار العثمانيين بقيادة سليم الأول، ونتج عنها توسع هائل للحكم العثماني حيث ضموا إليهم مدن كردستان الواقعة بين إيرانوالعراق، من بينها ديار بكر وماردين والموصل وسنجار وحصن كيفا والعمادية وجزيرة ابن عمر، وتمكنوا كذلك من إحكام قبضتهم على الطرق الرئيسية الاستراتيجية في القوقاز وسورية وإيران، والسيطرة على طريق الحرير الفارسي من تبريز إلى حلب وبورصة، وهو ما جلب لهم دعماً اقتصاديا ودخلاً كبيراً من المكوس المفروضة من تلك التجارة، وكان الانتصار في معركة جالديران الدافع الرئيسي لتغيير وجهة التوسع العثمانية من أوروبا الشرقية نحو المشرق العربي، واحتلال دوله واحدة تلو الأخرى كجزء من أطماع اقتصادية صرفة. أمام هذه الحقائق التاريخية، يتجلى بوضوح أن عودة المشروعين التركي والإيراني للتدخل في شؤون دول المنطقة ما هو إلا امتداد للتجارب التاريخية السابقة، ويشتركان في الأطماع ذاتها، لكن السؤال المهم الآن: هل المشروعان «التركي - الإيراني» في حالة صراع وتنافس على المنطقة وسينتهي بهما المقام إلى «جالديران» جديدة في المنطقة؟ أم أن الطرفين تجاوزا تلك المرحلة ويتعاملان باستراتيجية تكاملية لاقتسام المنطقة على أسس طائفية؟ العالم العربي.. الغنيمة الثمينة استخدام الدين واستدرار عاطفة الأصول العرقية ورابط الدم، تعد من ضمن الأدوات البارزة التي توظفها هذه المشروعات الخبيثة لاختراق واقتياد ملايين السذج في العالم العربي الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية هشة ومتخلفة من نتاج سوء أنظمة التعليم، وما خلفته حقب الاستعمار، والخلل العقائدي والطائفي، وتجذر الموروثات السلبية الخاطئة في المجتمعات العربية، هذا الخليط من السلبيات سهل المهمة على هذه المشروعات التوسعية التي تجمعها غاية واضحة وهي الاستيلاء على ما يحظى به العالم العربي من أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة على الصعيد العالمي، حيث يمتلك قرابة 62% من الاحتياطي العالمي من النفط، وتتجاوز مساحته الجغرافية 10% من مساحة العالم، ويطل على المحيطين الأطلسي والهندي وعدة بحار ومضائق مائية بالغة الأهمية، ويضم كتلة سكانية هائلة تتجاوز 360 مليون نسمة؛ بما يعادل 5% من سكان العالم تجتمع فيها الكثير من القواسم المشتركة من حيث اللغة والعقيدة والعرق، ولهذه الأسباب تعد هذه المنطقة مسرحاً للمشروعات والمحاور والأحلاف الإقليمية والدولية المختلفة، التي سعت وتسعى إلى التحكم في تفاعلاتها والاستفادة من إمكاناتها، ومحاولة رسم خريطة التوازنات السياسية فيها بما يحقق مصالح أطرافها إرهاب الملالي منذ سقوط نظام الشاه عام 1979 ووصول النظام الثوري بقيادة الخميني، انطلقت المساعي الإيرانية لتوسعة نفوذها الإقليمي من خلال محاولات تصدير الثورة التي نتجت عنها الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة في عدة دول عربية، ويأتي تنظيم «حزب الله» الإرهابي في لبنان كأحد أبرز الشواهد على التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون الدول العربية، حيث تشرف طهران على تشغيل وتمويل أنشطة مليشيا حزب الله التي وسعت نطاق أعمالها الإرهابية في عدة دول حول العالم، من بينها الاغتيالات وعمليات الخطف والتفجيرات، مثل تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983، وخطف طائرة كويتية عام 1988 وإجبارها على الهبوط في مدينة مشهد الإيرانية، والهجوم الإرهابي الذي وقع على مجمع سكني في مدينة الخبر في السعودية في 25 يونيو 1996، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005، والدور المشبوه لحزب الله في انفجار مرفأ بيروت أخيراً. وفي مملكة البحرين، قامت طهران بدعم وتمويل الإرهابي هادي المدرسي لتأسيس ما يسمى «الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين» سعياً منها لقلب نظام الحكم في البحرين، وبعد فشل المحاولة الأولى عام 1981، قامت الجبهة بإنشاء جناح عسكري وتجنيد نحو 3 آلاف مقاتل بدعم مباشر من إيران لتواصل أعمالها التخريبية التي من بينها أحداث شغب 1996 التي أحرقت خلالها عددا من المنشآت المدنية بينها بنوك ومدارس ومرافق سياحية لتدمير الحركة الاقتصادية في البلاد، وفي نوفمبر 2016 قبضت السلطات البحرينية على خلية إرهابية من نحو 50 عنصرا على صلة مباشرة مع النظام الإيراني. وكذلك كانت الكويت مسرحاً للكثير من العمليات الإرهابية التي يرعاها نظام الملالي في طهران، من بينها قضية «خلية العبدلي» التي كشفت عن كميات كبيرة من الأسلحة على مقربة من الحدود العراقية في 2016، وتم اعتقال عدة أشخاص اتضح لاحقاً أنهم على ارتباط بحزب الله، وكانوا يتآمرون للإخلال بأمن البلاد، وأكدت التحقيقات حينها وجود اتصالات بين دبلوماسيين في السفارة الإيرانية في الكويت مع أعضاء خلية العبدلي الإرهابية، وهذا مثال صارخ على الدور الإيراني الرامي إلى خلخلة أمن واستقرار الدول العربية والتدخل السافر في شؤونها. أما على صعيد التدخلات الإيرانية في العراق، فالمشهد أكثر سوداوية من أي بلد عربي آخر، في ظل تغلغل المتطرفين الموالين لطهران في مفاصل السلطة، في ما بات يعرف ب«وكلاء إيران»، حيث ساهم هؤلاء الوكلاء في انتشار التطرف الطائفي واندلاع الفتن الطائفية، وظهور تنظيم داعش الإرهابي، وانتشار والفساد، وتدمير مقدرات البلاد، وما حدث للعراق هو نموذج للنهاية الحتمية التي سيصل لها النفوذ الإيراني داخل أي دولة عربية، وهي تدميرها ونهب ثرواتها. أما في سورية، فإن النظام الإيراني يقوم بدعم نظام بشار الأسد باعتباره حليفاً، وتعتبر إيران الضالع الأكبر في الحرب الأهلية السورية منذ 2011، حيث شاركت عشرات الكتائب المسلحة الموالية لطهران في قمع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد. وفي اليمن تقف طهران وراء دعم جماعة الحوثي الانقلابية والمتمردة منذ 2004، وتقوم طهران بتزويدها بالسلاح والأموال وهي من حرضهم على الانقلاب ضد الحكومة الشرعية في 2014، ولا تزال تدعم الحوثيين بالأسلحة لتقويض جهود التحالف العربي لإعادة الشرعية، كما تعمل على تعطيل الحوار الوطني، ورفض مساعي السلام. العثمانيون الجدد.. ما أشبه الليلة بالبارحة التدخلات التركية في شؤون الدول العربية مسألة قديمة ومتجددة على ذات المبدأ الإيراني، مع اختلاف الأدوات والاستراتيجيات، ففي القرن ال16 الميلادي دخل الغزاة العثمانيون الوطن العربي بحجة مواجهة المد الصفوي الشيعي، وأفضى الأمر لبسط نفوذهم واستغلال العالم العربي لجباية الأموال على مدى أكثر من 3 قرون عرفت مجملاً بأنها حقبة «توقف الحضارة» والظلم والفساد والطغيان، وعقب أفول الدولة العثمانية في نهايات القرن ال19 وانهيارها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية التركية عام 1923 وتوجه ببلاده نحو الغرب بمرحلة علمانية ألغت الارتباط بالعالم الإسلامي، وظلت السياسة التركية على نهج أتاتورك مع الحكومات اللاحقة، ثم عاد التوجه التركي تجاه المشرق العربي منذ عام 2002 مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، وتبنى رجب طيب أردوغان الرئيس الحالي إحياء الأيديولوجية العثمانية ذات الطابع الإسلامي، متطلعاً إلى توسعة نفوذ بلاده في العالم العربي مجددا. وتجلى التدخل التركي في شؤون الدول العربية بشكل فظ مع اندلاع ما سمي «ثورات الربيع العربي»، وقامت بدعم جماعة الإخوان كأحد أبرز أذرعها في العالم العربي، ولجأت قبل ذلك إلى قوتها الناعمة في الترويج للتاريخ العثماني وإبرازه بصورة تغالط الحقائق التاريخية، وتدخلت تركيا في الشأن المصري ودعمت الإخوان كجبهة معارضة للنظام بعد سقوطها السريع، وكذلك ساندت «نظام الحمدين» في قطر ومساعيه في نشر الإرهاب والفوضى لأجل أخذ مكانة أكبر في مخطط الشرق الأوسط الجديد، وقامت تركيا خلال السنوات ال10 الماضية بنشر عدة قواعد عسكرية في العراق وسورية وقطر والصومال وليبيا، وتدخلت عسكرياً في سورية تحت مظلة عملية «نبع السلام» بحجة بناء جدار أمني عازل يفصلها عن أماكن التوتر، إلا أن الأمر سرعان ما تحول إلى بسط نفوذها على عدة مواقع في الشمال السوري، وهي عملية شبيهة بالاحتلال التركي لأجزاء من قبرص، حين أرسلت تركيا قوات إلى شمال قبرص عام 1975 بحجة حماية القبارصة الأتراك، ولا تزال هذه القوات موجودة في قبرص حتى يومنا هذا، وهي عملية احتلال ولم تحظ باعتراف دولي، وعلى ذات المنوال تواصل تركيا تدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية، بإرسال المليشيات المسلحة إلى ليبيا ودعم جماعة الإخوان الإرهابية، وتقوم باستخدام موروثها الثقافي والتاريخي لنشر نفوذها في الدول التي كانت ضمن حدود سيطرة الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي، أو ما بات يسمى «العثمانية الجديدة». العلاقات بين«العصملي» و«الملالي» كانت العلاقة بين تركيا «الكمالية» وإيران خلال حقبة الشاه متميزة، حيث بدأت بتوقيع «معاهدة صداقة» عام 1926، وكانت مبادئها الأساسية هي الصداقة والحياد وعدم إشعال فتيل الحرب بين الطرفين. وفي مطلع عام 1932 تمّ توقيع «معاهدة الحدود بين تركياوإيران» في طهران، وهي ذات الحدود التي وصل إليها الطرفان بعد معركة جالديران عام 1514 التي انتهت بمعاهدة «قصر شيرين»، وفي يوليو 1937 تم توقيع «معاهدة عدم الاعتداء بين الطرفين»، وعُرفت باسم «معاهدة سعد أباد». وفي حقبة الملالي وأردوغان، شهدت العلاقات الإيرانية التركية تطوراً ملحوظا، ففي مايو 2010 قام أردوغان بزيارة طهران من أجل دعم برنامج إيران النووي، والاستعانة بمصادر خارجية لتخصيب اليورانيوم في تركيا لتجنيب إيران المزيد من العقوبات، وحين انتُقد أردوغان لدعمه البرنامج الإيراني النووي غير السلمي، قال: «في الواقع ليس هناك سلاح نووي في إيران الآن.. إسرائيل التي تقع أيضا في منطقتنا تمتلك هي الأخرى أسلحة نووية وتبعد بنفس المسافة عنّا مقارنة بإيران، هل عارض المجتمع الدولي مشروع إسرائيل النووي؟». وفي عام 2012 نشرَ «مركز بيو للأبحاث» نتائج استطلاع للرأي أظهر أن 37% من الأتراك يعتقدون أن إيران لا تُشكّل خطرا على الإطلاق، وهي أعلى نسبة بين الدول التي شملها الاستطلاع. وفي عام 2014 وصل معدل التبادل التجاري بين تركياوإيران إلى 13.7 مليار دولار؛ وهو أعلى معدل تبادل تجاري بين البلدين ويعادل أكثر من عشرة أضعاف حجم التبادل التجاري بين تركياوقطر وأكبر بعدة أضعاف من أي تبادل تجاري بين تركيا وأي من الدول العربية والخليجية، حيث تنظر تركيا إلى إيران بأنها المصدر الاستراتيجي لها بالنسبة إلى إمدادات النفط والغاز، أما إيران فلديها أكبر أسواق الصادرات التركية غير النفطية، وتركيا هي أكبر مستورد للغاز الطبيعي الإيراني، كما أن تركيا الداعم الاقتصادي الرئيسي لإيران في أوقات أزماتها، حيث بادرت أنقرة بتأمين احتياجات إيران الاقتصادية خلال حربها مع العراق (حرب الخليج الأولى)، وفي عام 2012، لعبت أنقرة دوراً فاعلاً في مساعدة طهران على التهرب من العقوبات من خلال تسديد قيمة النفط والغاز الطبيعي المستورَد من إيران بالذهب، وفي عام 2019 احتل الإيرانيون المرتبة الثانية بعد العراقيين في شراء العقارات في تركيا، وهي مؤشرات واضحة على متانة العلاقات بين البلدين في الجانب الاقتصادي؛ وهو ما يضفي على العلاقات بعداً استراتيجياً في ما يخص توجهاتهما التوسعية نحو العالم العربي. استطلاع الرأي العام والوعي بالمؤامرة في خضم هذه المشروعات التوسعية الخبيثة التي تقودها طهرانوأنقرة في المنطقة ومآلاتها، أجرى مركز الخليج للأبحاث استطلاعاً على منصة تويتر بتاريخ 12 أغسطس الجاري، حول أسباب تدخل دول الجوار الإقليمي (تركياوإيران) في المنطقة العربية، وفي النتائج أكد غالبية المشاركين بنسبة 62.3% من المشاركين في الاستطلاع أن الأطماع في ثروات العالم العربي هي سبب تدخل هذه الدول في الشأن العربي، في حين عزا 26.7% من المشاركين الأسباب إلى «العداء التاريخي القديم»، فيما قال 10.9% إن «البعد الطائفي» هو سبب هذه التدخلات، وهذه النتائج تعطي دلالة على أن الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي لديه انطباعات سلبية عن هذه التدخلات التي تعد بمثابة المؤامرة التي تحيكها هذه الدول للسطو على العالم العربي وسرقة مقدراته ومكتسباته وتعطيل عجلة التنمية فيه، وهو أحد المؤشرات على تنامي الوعي العام تجاه هذه التدخلات الخارجية. رئيس مركز الخليج ل عكاظ : «الملالي» و«العثمانيون الجدد» يطمعان في تقاسم المغانم العربية في هذا الصدد، قال رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر في تصريحات إلى «عكاظ» إن المنطقة العربية تواجه عدة مشاريع إقليمية لها أجندتها الخاصة التي تستهدف الوجود العربي في منطقته، والأطماع في ثرواته، وإضعاف قوته، وتتمثل هذه المشروعات في المشروع الإيراني، والمشروع التركي، والمشروع الإسرائيلي. وأوضح أن المشروع الإيراني، هو مشروع قومي فارسي يرتدي العباءة الإسلامية الشيعية لتحقيق حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية على أسس طائفية، لضمان دعم وولاء الشيعة في العالم الإسلامي، ومناصرتهم المشروع الإيراني القومي، سواء في المنطقة العربية، أو في أفريقيا، وآسيا الوسطى، وتريد إيران تجييش الشارع الإسلامي والعمل على ما يسمى تصدير الثورة ومناصرة الضعفاء والانتصار للمظلومية التاريخية للشيعة وهذه شعارات براقة لجذب المؤيدين، لكن في الحقيقة هو مشروع قومي فارسي طائفي يعتمد على نشر الطائفية وتنفيذه بالقوة عبر الأذرع العسكرية والمليشيات المسلحة، ومنها الحرس الثوري الإيراني الذي يقوم بعمليات في سورية والعراق واليمن، وحزب الله في لبنان، ومليشيات الحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن. وتسعى إيران وبشكل معلن لاختراق المنطقة العربية وتطويقها عبر النفوذ الديني الطائفي وبدعم الجماعات الإرهابية التابعة لها على حساب الدول، فهي تعمل دائما في الظلام وليس مع الحكومات والأنظمة الشرعية لدول المنطقة، كما أنها تسعى لامتلاك القوة النووية حتى تتمكن من السيطرة على المنطقة ولتكون أدوات الردع في مواجهة القوى الكبرى في العالم. وأضاف أن المشروع الإيراني قديم - جديد، بدأ خلال حكم الشاه، وظهرت هذه السياسة التوسعية في احتلال الجزر العربية - الإماراتية الثلاث عام 1971، ثم في إجبار العراق على التنازل عن نصف شط العرب في اتفاقية الجزائر عام 1975، وتجسدت نزعة التوسع الإيراني في إعلان الشاه أن بلاده «شرطي الخليج» بدعم إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون بداية السبعينات، وترجم ذلك في استعراض القوة العسكرية الإيرانية، والتفوق العسكري الإيراني، والمشروع الذي تبناه نظام الملالي هو استمرار لمشروع الشاه، ولكنه اختلف في أسلوب التنفيذ والأدوات المستخدمة. فاعتمد هذا المشروع في ظل الملالي على «الطائفية»، ووظف هذه الورقة للمواطن العربي بكونها الأولوية في سلم الولاءات، لذا فإن المشروع الايراني قائم على تعميق «الأسس العقائدية» التي تضمن نجاح التوسع الإقليمي. وحول المشروع التركي، أوضح الدكتور بن صقر أنه مشروع قومي يهدف لإحياء الإمبراطورية العثمانية، وله ظهير ديني، حيث تعتمد تركيا على مبادئ الفكر الإخواني وقواعد المدرسة الإخوانية وهي تحاول التمدد في دول المنطقة العربية بالتعاون مع جماعة الإخوان وبتمويل قطري، ويطمح لإعادة الإمبراطورية العثمانية خاصة مع قرب انتهاء سريان معاهدة لوزان الثانية التي أبرمتها دول الحلفاء مع الدولة العثمانية عام 1923، وسوف تنتهي مدتها في عام 2023، وهذه المعاهدة أنهت الإمبراطورية العثمانية ورسمت حدود تركيا الحديثة، ولذلك تقوم أنقرة حاليا باختلاق المشاكل في شرق المتوسط أملًا في الهيمنة على تلك المنطقة كما كان عليه الحال قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولسد احتياجاتها من الطاقة حيث تستورد نحو 90% من احتياجاتها من الطاقة، لذلك تسعى لإيجاد موطئ قدم في ليبيا وسورية والعراق وفي قطر، أي مناطق نفوذ الدولة العثمانية القديمة. وأكمل: «المشروع التركي» حديث النشأة، وتطور لعدة عوامل هي: الأول هو طبيعة النظام السياسي الجديد ذو الصبغة الإسلامية الذي تولى السلطة في تركيا العلمانية، الثاني، هو نجاح المشروع الإيراني الذي حفز أنقرة على تبني مشروع توسعي مشابه، والأمر الثالث هو تمزق العالم العربي ما سهل للقوى الإقليمية الخارجية مهمة اختراقه، وضمن لمشاريعها التوسعية النجاح بكلفة منخفضة، ورابعا، نهاية الحلم التركي للانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي، وإعادة رسم الاستراتيجية التركية التي توجهت للتوسع في منطقة الشرق الأوسط كعملية تعويضية لضياع «الحلم الأوروبي»، مضيفاً أنه رغم أن مشروع التوسع التركي يحمل في طياته «مسحة عقائدية إسلامية»، لكنه قائم على أسس التوسع الاستراتيجي ومحاولة إخفاء البعد العقائدي. وأكد رئيس مركز الخليج للدراسات أن إيرانوتركيا تطمعان في ثروات المنطقة العربية خاصة بعد ما سمي «ثورات الربيع العربي» التي سمحت للتمدد الإيراني والتركي، إضافة إلى التراخي الدولي، أو الصراع الذي عاد مؤخرًا بين الدول الكبرى والذي ألقى بظلاله على الوضع في المنطقة العربية، مع تنامي دور جماعة الإخوان المسلمين وانتقال التنظيم الدولي للإخوان من مصر إلى تركيا، وتمويل من قطر، وكذلك تنامي دور المليشيات العسكرية المدعومة من إيران في المنطقة. والمشروعان متكاملان لا متنافسين فهما يتفقان ضد المنطقة العربية وتقاسم خيراتها، وإن كان لكل مشروع أجندته وأهدافه والمناطق التي يستهدفها وهي مختلفة من مشروع لآخر، وفي المجمل هما يطمعان في «التقاسم لا الصراع» في ما بينهما، فهما «متكاملان». وأضاف أن المشروع الثالث وهو «المشروع الإسرائيلي» القائم على التوسع المرحلي، ليشمل لاحقا أراضي ما يسمى «إسرائيل الكبرى» المزعومة، مبيناً أن هذا المشروع لا يصطدم مع مشاريع إيران، وتركيا فكلتا الدولتين تستخدم معارضتها للتوسع الإسرائيلي لغرض تعزيز نفوذها لدى الرأي العام العربي في خدمة مشاريعها التوسعية. فدوافع المعارضة الإيرانية - التركية للسياسة الإسرائيلية واحدة، وهي كسب ثقة الرأي العام العربي وتوظيف هذه الثقة لخدمة مشاريعها التوسعية في العالم العربي، كل على انفراد. وختم بأن المطلوب من الدول العربية الفاعلة إعادة ترتيب الأوراق في ضوء هذه التحديات وإيجاد تكامل حقيقي على المستوى الخليجي والعربي، خليجيا من المهم ترتيب البيت الخليجي من الداخل لإيقاف التغلغل التركي والإيراني، ويكون ذلك بتوحيد السياسة الخارجية والتكامل العسكري والأمني، مشدداً أنه على المستوى العربي لابد من إيجاد صيغة جديدة للعمل العربي المشترك، بدلا من الترهل الحالي الذي أصاب النظام العربي المشترك، مع ضرورة إعادة النظر في التحالفات الإقليمية والدولية بما يضمن استقرار المنطقة وصيانتها والحفاظ على مقدراتها وثرواتها.