بعد يومين فقط من التفجيرات القوية التي دمرت ميناء بيروت بالكامل وألحقت الخراب في معظم أنحاء المدينة، ظهر الرئيس الفرنسي يوم زيارته للبنان الخميس الماضي وكأنه المنقذ لبلد الأرز. فبعد تلك الزيارة ودعوته لعقد مؤتمر للمانحين، لم يسلم الرئيس الفرنسي من الانتقادات التي باتت تلاحقه، رغم مساعيه في تبرير ذلك بأن لبنان بحاجة لتحرك كل رؤساء الدول من أجل إنقاذ الشعب اللبناني. وعنونت الكثير من الصحف الأجنبية مقالاتها، بأن زيارة ماكرون إلى لبنان تأتي من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. في حين اعتبرت أخرى أن ماكرون ظهر، أثناء زيارته، وكأنه الحاكم القادم للبلاد، معنونة وقت جنيف مقالها ب«هل وجد لبنان حاكمًا جديدًا في شخص إيمانويل ماكرون؟» ماكرون، رغم ما حمله من إنسانية للبنانيين، إلا أنه عرّض نفسه لكثير من الانتقادات، خاصة بعد انتشار عريضة وقعها أكثر من خمسين ألف لبناني، يطالبون بوضع لبنان تحت «الانتداب الفرنسي للسنوات العشر القادمة»، مبررين ذلك بقولهم إن «المسؤولين اللبنانيين أظهروا بوضوح عدم قدرة تامة على تأمين وإدارة البلاد». العريضة التي انتشرت على الإنترنت بسرعة، لازالت تحصد توقيعات اللبنانيين من الخارج والداخل. لكن هل يمكن فرض انتداب فرنسي على لبنان وهل يسمح القانون الدولي بذلك. وماذا يعني سياسيا؟ فرنسا بادرت ودون تضييع الوقت، وبالتعاون مع الأممالمتحدة إلى عقد مؤتمر دولي، قالت عنه الرئاسة الفرنسية إنه سيشكل «خطوة للضرورة والأمل لمستقبل لبنان». فبعد خمسة أيام من الانفجار المزدوج في بيروت الذي أغرق لبنان في دمار كامل، اجتمع المانحون الرئيسيون والمنظمات الدولية عن طريق الفيديو من أجل التحضير لإعادة إعمار العاصمة بيروت. وبحث المجتمعون في إمكانية تقديم مساعدة فورية لمليون لبناني متضرر، وبناء لبنان المنكوبة. التحرك الفرنسي الذي باركه البعض واعتبره الآخرون صورة لفرض الوصاية الفرنسية على لبنان، رافقه امتعاض من ما وصل إليه لبنان من فساد أودى بحياة اللبنانيين. وهو ما أشار إليه أونطوني بيلاونجار المختص في شؤون الشرق الأوسط، حيث قال ل«عكاظ»، «إن إيمانويل ماكرون يبحث عن اللحظة الميتيرانية، وهو يعيد للأذهان ما قام به الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، عندما هب في 1992 لنجدة سراييفو، وفتج جسر مساعدات لهذا البلد، فقط لكونه (فرانسوا ميتران) أول رئيس دولة يدخل بلدا تمزقه الحروب مثل سراييفو. ففي تقليد الجمهورية الخامسة، على رأي بيلاونجار، أن كل رئيس للجمهورية، يتولى كرسي الإليزيه، يحاول تسجيل حضوره في الأزمات الخارجية. لذلك وجد ماكرون أن الوقت مهم وأن ما وقع في لبنان أيضا يستدعي التحرك لحشد المساعدات لهذا البلد المنهار اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولكنه أيضا تحرك ديبلوماسي يخدم ولايته، وحملته القادمة». في حين اعتبر آخرون أن مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سواء بالنسبة لزيارته لبيروت أو دعوته لعقد مؤتمر المانحين، هو تحرك منطقي وإستراتيجي، كون لبنان هي صديق مقرب جدا لفرنسا، بالإضافة لوجود أكثر من 220 ألف لبنانيبفرنسا. وهي نفس النقطة التي اعتمد عليها ماكرون في تدخله أمام المانحين، مشيرا إلى أن الأممالمتحدة حددت أربعة محاور لمساعدة لبنان وهي: الصحة والأمن الغذائي والتعليم والإسكان. وقال ماكرون في مداخلته أمام المانحين: «الهدف من المؤتمر هو حشد مواردنا والاستجابة بشكل ملموس لاحتياجات سكان بيروت»، كما ذكر الرئيس الفرنسي، الذي يرغب في الإسراع في تقديم المساعدة للبنانيين، «أن المؤتمر ليس فقط من أجل جمع المبالغ المالية لمساعدة لبنان ولكن أيضا لتنسيق الجهود لتفعيل المساعدات، والتحقيق في الانفجار ومعاقبة المتسببين في ذلك».