من الواضح أن النظام الإيراني بدأ يشعر بعمق وقوة الضربات التي تلقاها خلال السنوات الماضية نتيجة سياسته الإرهابية وتغوله وشيطنته، إن كان على المستوى الاقتصادي؛ فإيران تعيش وضعاً مالياً مزرياً ومهترئاً، أدى ليس فقط لتدهور العملة الإيرانية، بل إن المؤشرات كلها تجمع على أن الخناق اشتدّ على عنق النظام الذي بات يواجه أزمة غير مسبوقة على جميع الأصعدة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فقد أقرّ وزير النفط الإيراني بأنه لا توجد الآن دولة واحدة ترغب في إبرام عقود مع بلاده باستثناء الصين بسبب العقوبات، فضلاً عن عدم تمكن النظام في استمرارية دعم المليشيات الطائفية في سورية والعراق واليمن ولبنان بالمال، إلى جانب العقوبات المشددة.. وحظر السلاح. ويبدو أن النظام الإيراني بدأ أيضاً يعيد ترتيب أوراقه في العراق الجديد بعد تقلد مصطفى الكاظمي منصب رئيس الوزراء، فقد تأكدت الدوائر الضيقة في فيلق القدس أن عراق الكاظمي يختلف عن عراق المالكي نصّاً وروحاً، كون الكاظمي يسعى لإعادة ترتيب وتحصين البيت الداخلي وتعزيز العلاقات مع الدول العربية بما يضمن بقاء العراق خارج التأثير الإيراني والحفاظ على علاقات إستراتيجية مع العمق العربي والغربي. واضطر نظام خامنئي للتعامل مع حكومة الكاظمي عندما قام في السابع من مارس الأمين العام للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بزيارة بغداد التقى خلالها مع الكاظمي.. ولحقه مهرولا قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، الذي كان يعلم جيداً ماذا يعني العراق ما بعد سليماني ورؤساء الوزراء العراقيين التابعين للمرجعية الطائفية في قم، فضلاً عن حدوث تغيير في قواعد اللعبة في العراق، فشل معها فيلق القدس في تنصيب رئيس وزراء على مقاسه، وعليه فإن نظام خامنئي اضطر للاستماع لتوصيات قدامى الضباط في فيلق القدس، في عدم التصادم مع حكومة الكاظمي في ضوء التحديات التراكمية الخانقة التي تواجه إيران والتوقعات باستمرار حظر السلاح على النظام في أكتوبر القادم والمزيد من تشديد العقوبات الأمريكية على طهران. التحرك الإيراني باتجاه إعادة ضبط العلاقات مع الكاظمي ما هي إلا محاولة ماكرة سياسية كون النظام الإيراني يعيش على وقع مخاوف وكوابيس حديث تقارب إستراتيجي مع واشنطن التي باركت تولي الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، وحثته على تخليص العراق من التبعية لإيران وكبح نفوذها، خصوصاً أن الكاظمي كان قد وضع خارطة لضبط السلاح وحصره بيد الدولة في الأولويات، وهذا يعني حتماً تصفير سلاح المليشيات الطائفية. وفي الوقت نفسه يراقب فيلق القدس مسار حراك الكاظمي خصوصاً زيارته المرتقبة لواشنطن بعد أن أبدى رغبة حكومته الشديدة في جذب الاستثمارات الأمريكية في مجال الطاقة. وتثير هذه التطورات توجس إيران من كبح نفوذها وتقليص مستوى التبادل التجاري والاقتصادي مع العراق خصوصاً في مجال الطاقة، إذ تزود طهرانالعراق باحتياجاته في مجال الطاقة الكهربائية. ولدى إيران ملفات ساخنة وعالقة مع العراق من أهمها مقتل قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس، ظهر ذلك جلياً في تصريحات خامنئي خلال لقائه مع الكاظمي ومطالبته بتقديم من قتلوهما للعدالة، خصوصاً أن فصائل طائفية تزعم أن الكاظمي الذي كان يرأس جهاز المخابرات العراقية لعب دوراً في تحقيق ذلك. وفي ضوء ما نقلته وسائل إعلام إيرانية عن اجتماع عقده مصطفى الكاظمي مع قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، خلال زيارته أخيراً لطهران بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، ودعا فيه الكاظمي قآني إلى ضبط الفصائل المدعومة من النظام، فإن هذا اللقاء الذي لا توجد تأكيدات أو نفي من الجانب العراقي يعتبر من أهم اللقاءات بعد لقاء الكاظمي مع خامنئي الذي قال له «لن ننسىى اغتيال سليماني». بالمقابل شدد مصطفى الكاظمي خلال لقائه مع روحاني على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وبحسب مصادر عراقية، فإن إيران تحاول الظهور أمام حكومة الكاظمي بمظهر الدولة المحبة للعراق ويهمها الاستقرار السياسي في العراق، وهذا غير صحيح كون نظام خامنئي في وضع مأساوي ويريد أن يمسك ولو بورقة في العراق حتى لو اقتضى ذلك دعمه للكاظمي، وهم يعملون جيداً أن ملف سلاح المليشيات الطائفية في العراق على رأس القضايا التي تحظى بالأولوية لدى الكاظمي، خصوصاً حصر السلاح والتعامل مع المليشيات المسلحة خارج إطار الدولة والخارجة عن القانون.. وأكدت المصادر أن الكاظمي تحدث مع قيادات النظام الإيراني وطلب منهم رفع يدهم عن هذه المليشيات وأن سياسة حكومته قائمة على التوازن والابتعاد عن سياسة المحاور. إيران اليوم هي إيران الخائفة المذعنة التي فقدت جميع حلفاء الماضي.. خناق العقوبات يضيق بشدّة على الاقتصاد الإيراني ولا تملك خيارات في مواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية.