(واقفون في الظلام يصفون لنا شكل النور) كان هذا عنوان المقال الذي كتبته في صحيفة الرياض رداً على المبادرة الهزيلة التي أطلقها سفر الحوالي وعبر قناة الجزيرة بتاريخ الخامس من الشهر الحادي عشر عام 2003م. كانت المبادرة عبارة عن إحدى خطوات التيارالصحوي المتشدد لاستعادة مكانته بعد الصمت الذي لفهم جراء تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر. مع بدء العمليات الإرهابية في المملكة أراد التيار الحركي الإخواني في المملكة أن يقدم نفسه بصفته القادر على كبح وإيقاف تلك العمليات، وليست المواجهة الأمنية معه وأنه الأقدر على احتواء الشباب المنخرطين في تنظيم القاعدة (كثيرون من الحركيين ظلوا يطلقون على الإرهابيين أوصافاً مثل: الشباب المتحمس والغيور والمنفعل) ولكنهم مقابل ذلك يريدون لعب دور سياسي وقيادي خطير، كشفت تلك المبادرة الهزيلة جانباً منه، بينما استمرت تلك الأعوام تشهد أصواتاً وحراكاً غريباً للإخوان وللمتشددين أيضاً. كانت العقبة التي تواجههم -آنذاك- هي الأصوات الإعلامية التي قادت مواجهة حادة وصريحة ضد الحركيين الحزبيين المتشددين، الذين بدورهم لم يتوانوا عن المواجهة وشن الحملات المتوالية ولقد كانوا أكثر قوة وتاثيراً. استغلوا منتديات الإنترنت بشكل غير مسبوق ومنابر المساجد وبعض القنوات الفضائية كما استغلوا أيضاً بعض القضاة المتشددين آنذاك في وقع دعاوى الاحتساب على الكتاب والإعلاميين وشن حملات التبديع والتفسيق والتكفير. ولكن المواجهة استمرت، إلا أن حجم التمكين الذي تحصلته الجماعات المتشددة لم يكن مفهوماً على الإطلاق، كنا نردد أسئلة كبرى عن هذا الاستقواء الذي لديهم، وعن حجم الجرأة على الدولة بمختلف رموزها وأجهزتها. لم يكن الأداء الحاد والمنفلت تلقائياً وكانوا الأكثر استعداداً لتلقي عروض العمالة والتآمر من مختلف القوى في الإقليم التي لديها مشاريعها لاستهداف المملكة. وبينما كانت وزارة الداخلية هي الخصم الأبرز والأول لهذا التيار، كانت في ذات الوقت هي عامل الاستقواء الأول لهم. داخلون وخارجون من أبواب الوزارة، لا تعلم بمن يلتقون ولا كيف يتم أصلا استقبالهم بكل تاريخهم المشين وبكل أدائهم المتشدد وبكل مزايداتهم على الدولة. لكن الانكشاف الكبير للخائن سعد الجبري أبرز أن ثمة اختراقاً حقيقياً تمكن من مد هذا التيار بكل أشكال القوة ومكنهم من تحقيق أهدافهم وخدمة مشروعهم وهو بذلك يؤسس لمستويين من الاختراق والفساد والخيانة تضمنان له ولعصابته استمرار هذه اللحظة الدائرية التي لن تمثل أخطر لحظات العبث بالوطن ومستقبله. يلتقي الجبري أيديولوجيا مع هذا التفكير المحافظ البائد ومع رموزه. والجبري يمثل نموذجاً للفاسدين المولعين بنجاح وثراء بعض الشخصيات الدينية الكاذبة الفاسدة، وبالتالي أدرك أن أنجح طريق للإثراء والكسب يتمثل في التحالف معهم. الجانب الثاني أن الحرب على الإرهاب مثلت فرصة غير مسبوقة لذلك للإثراء، وبالتالي فإن شركاء تلك الدائرة يجب أن يحصلوا على ما يريدون من دعم أيديولوجي ولوجستي، وهنا فتح لهم الجبري ودائرته الفاسدة ما مثل إرباكاً لجهود الدولة في مكافحة الإرهاب بشكل واقعي. الفاسد الأكبر في التستر بمشروع مواجهة الإرهاب، بالتأكيد أن انتهاء الإرهاب لا يمثل هدفاً بالنسبة له، بل إن بقاء الإرهاب ونفوذ رموزه هو العامل الذي سيتيح استمرار هذا التدفق المالي السخي واستغلال كل ما تخصصه الدولة لتلك المواجهة، لذلك مثل سعد الجبري ودائرته لحظة الاختراق الكبرى لتلك المواجهة وهو ما يكشف أسباب استمرار الخطاب المتشدد الحركي واستمرار الإرهاب والتطرف. لكننا اليوم في لحظة المواجهة، إن عبارة (سندمرهم اليوم وفورا) لم تكن مجرد خطاب عام بل كانت إعلان مشروع واقعي حقيقي شجاع، لا يواجه التطرف فقط بل يواجه كل العوامل التي تصنعه وتغذيه وتستفيد منه. هكذا بدأت المواجهة وهكذا انتصرت الدولة الوطنية المدنية الواعية.