للأديب السعودي الراحل الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، رواية قصيرة بعنوان: «رجل جاء وذهب».. وهو أول عنوان تبادر إلى ذهني بعد سيل الأخبار عن فضائح اللص الهارب خائن الوطن سعد الجبري مع تعديل بسيط ليصبح «خائن جاء.. وذهب». الجبري ليس أول فاسد وخائن تسنم منصباً حكومياً رفيعاً قبل أن يهتك الله ستره ويفضح أمره، وهو لن يكون الأخير بالطبع، فالعالم يلد كل يوم آلاف الفاسدين والخونة، لكن المرعب حقاً أن هذا اللص الذي تشير بعض التسريبات إلى حجم الخدمات التي قدمها لتنظيم الإخوان الإرهابي أشرف لسنوات عدة على جميع الأجهزة الأمنية في بلادنا (وجميع هنا بمعناها الحرفي وليست مبالغة)، هذا طبعاً قبل أن تعاد هيكلة وزارة الداخلية وتفصل عنها عدة أجهزة، أي أن حجم الاختراق كان مهولاً وغير مسبوق بحسب ما تظهره تلك التسريبات، وهو ما يطرح تساؤلاً خطيراً وفي غاية الأهمية عن التركة والكوادر التي خلفها هذا الخائن، أو بشكل أبسط لنسأل أنفسنا: هل انتهى فريق الجبريين (نسبة إليه كشخص) بعد فراره في ليلة ظلماء؟ أم أنهم دخلوا في حالة كمون بعد افتضاح أمره، وقد ينبعثون من جديد في أي لحظة؟ السعوديون كبيرهم قبل صغيرهم يثقون تماما في كفاءة وعظمة حرب وطنهم على الفساد بقيادة عراب رؤية 2030 سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صاحب العبارة الخالدة «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء كان أميراً أو وزيراً»، هذه العبارة التي جاءت كإعلان حرب قض مضاجع الفاسدين وبعثرهم كما لم يحدث من قبل في تاريخ البلاد. المشكلة أن فساد الجبري وفريقه فسادان؛ أحدهما مالي والآخر آيديولوجي، والثاني أخطر على أمن البلاد والعباد، ولذلك ينبغي التنقيب عن الخلايا الكامنة التي زرعها في مفاصل الأجهزة التي أشرف عليها طوال فترة عمله وتمحيص كل من كان مقرباً منه مثل (مستشاريه، والمسؤولين الذين خدمهم بتوصياته) وغيرهم ممن يحملون آيديولوجيا تستهدف أمن الوطن من داخله. في (تويتر) كتب محمد العبداللطيف وهو أكاديمي سعودي مهتم بالأمن الفكري تغريدة خطيرة جداً جاء فيها ما نصه: «أذكر قبل سنوات اطلعت على خطاب معمم بإمضاء «الجبري» يُدرج ويُصنف الأقلام الوطنية التي تتصدى للإرهاب والإخوان بأنها مثيرة للفتن»، وهذا يعني أن هناك الكثير من الأقلام الوطنية قد تعرضت للتشويه وأثيرت حولها الشبهات وربما تم تهميشها وإقصاؤها، ومحاولة إحباطها، ودفعها لتحويل مسارها بسبب سلطة ذلك اللص الخائن، وهو ما يعني ضرورة مراجعة كل توصياته ومخاطباته طوال فترة عمله لمعرفة الشخصيات الوطنية التي أقضت مضاجع أعداء الوطن حتى استخدموا الجبري وهو أكبر أوراقهم لمحاربتها. لكل شيء سلبي جانب إيجابي يمكن الاستفادة منه، وفي قضية الجبري هناك جوانب إيجابية عدة، فهي دافع حقيقي لاستمرار الحرب على الفساد بنفس القوة، والعمل بشكل أكبر على تطهير أجهزة الدولة من حاملي الفكر الإخواني والتخلص من تركتهم السوداء، والأهم رد الاعتبار للأقلام الوطنية التي حاربها وأضر بسمعتها «خائن جاء وذهب».