خرج معظم نظريات المؤامرة المتعلقة باندلاع وباء فايروس كورونا الجديد، الذي يسبب مرض كوفيد-19، من عباءة تكهنات وتوقعات، قديمة وحديثة. لعل آخرها ما نُسب إلى مؤسس ميكروسوفت بيل غيتس. وربما كان أقدمها تنبؤات نوترداموس في القرن السادس عشر. الغربيون الذين يؤمنون بالخرافات والأساطير، ويتفننون في مزجها بالحاضر، وليِّ عنق الحقيقة، للذهاب إلى تأويلات خيالية، قد يكونون أكثر عدداً من رصفائهم في المجتمعات الشرقية، والأفريقية، والآسيوية. ومن سداد القول إن مثل هذه النوازل إنما هي ابتلاء من الله. ويمكن من خلال العقل الذي كرّم الله به ابن آدم اكتشاف السبل الكفيلة بتخفيف وطأتها على الإنسانية. ومهما يكن من شأن من تكهنوا، سواءٌ أكانوا منجّمين، فهم كاذبون وإن صدقت بعض تنبؤاتهم. أو كانوا محدثين، وعركتهم التجربة العلمية والعملية والتكنولوجية، فإن جائحة فايروس كورونا الجديد اجتاحت العالم. وتتسبب كل يوم في وفاة آلاف الأشخاص، وإصابة الملايين، وتدمير الاقتصادات الكبرى. ولا يستبعد بعضهم أن تؤدي إلى تدمير حضارات، إن هي استمرت بوتيرتها الراهنة. وعلى رغم الخراب الذي يحدثه كوفيد-19، منذ اندلاع الوباء في ديسمبر 2019، فإن ثمة من يرون أنه ليس خراباً يمكن نعته ب «الكارثة»! فعدد وفياته لا يكاد يتجاوز نصف واحد في المئة من سكان الكوكب. ويعمد هؤلاء «المتشائمون» إلى قياسه وفقاً لدرجات الخطورة المحددة للأعاصير. ويرون أنه لا يعدو أن يكون إعصاراً من الدرجة الثانية، او حتى من الدرجة الثالثة. ويقولون إنه «ضربة قوية لكنها ليست كارثية». (ولا أكاد أعرف أصلاً لهذه الصفة بهذه النسبة. غير أنها تبدو من نحت الإعلام، ومما أفرزه النقل إلى العربية، من قولهم catastrophic، وdisasterous، و devsatating، وcasualty). وهو على كل ما يراه العالم الطبيب الأمريكي مايكل غريغر، في كتاب صدرت طبعته الإلكترونية عن دار بلوبيرد للنشر، بعنوان «كيف تنجو من الوباء؟». وأكد فيه أن جائحة فايروس كورونا الجديد ليست سوى «عرض تجريبي» للكارثة القادمة. وينذر بنحس كبير اسمه الطاعون الكبير، الذي قال إنه سيقضي على البشر، ويهد الحضارات على رؤوس أصحابها! حلول «دراماتيكية» لمشكلة «الحيوان الناقل» ويضيف في كتابه الذي تحويه 500 صفحة، ويورد فيه 3600 استشهادات بمراجع، إن مشكلة الإنسان تنبع من اختلاطه بالحيوان، وأن احتفاظنا بالحيوانات الأليفة، وقتلها، وأكل لحومها يجعل البشر معرّضين لأسوأ الأوبئة. ويقول إن مصدر الخوف علينا هو «الوزونوسيا» Zoonoses؛ أي الأمراض الحيوانية المنشأ، التي تنتقل بدورها من الحيوان إلى الإنسان. فهي تغزو أجسامنا، وتدمر مناعتنا، وتتسبب بالوفاة بأسرع مما يمكن تصوره. فقد انطلق وباء السل الرئوي قبل آلاف السنوات من الأغنام. وكذلك انتقلت الحصبة من الأغنام والضأن. فيما انتقل الجدري من الإبل، والسعال الديكي من الخنازير، وحمى التيفويد من الداجا، وفايروس نزلات البرد انتقل إلينا من الأبقار والخيول. ويضيف غريغر أن تلك الأمراض الحيوانية الأصل لا تنتقل بشكل مباشر من الحيوان الناقل إلى البشر. ولا بد لها من الانتقال عبر نوع حيواني آخر. ويشير إلى أن فايروس سارس - وهو أحد فايروسات كورونا- انتقل أصلاً من سنور الزباد (القط الخلوي) إلى الوطواط، ثم من الأخير إلى الإنسان. ويرجح أن فايروس كورونا الجديد نشأ في الوطاويط، لكنه انتقل أولاً إلى حيوان «أم قرفة» (بانغولين)، ومنه للإنسان؛ وأم قرفة حيوان مدبب بالصدف، يعد من الحيوانات المهددة بالانقراض. والمشكلة أن بعض الحضارات، خصوصاً الصينية، يعتبرون التهام لحمه من دلائل اليُسر والسعة، ومن لوازم إكرام الضيف! ويقول المؤلف: وجبة واحدة يمكن أن تكلف الإنسانية تريليونات الدولارات، وملايين الوفيات. ويحذر العالم الأمريكي من أن الدجاج يعد أخطر ناقل للأمراض، وتتم تربيته في مزارع مزدحمة بهذه الطيور، بما قد يصل إلى 24 مليار دجاجة، تتم تغذيتها قسراً بمواد كيميائية تمهيداً لتسمينها، ثم ذبحها، وبيعها بالأطنان في جميع أرجاء الكوكب. وقال إن الدجاج ناقل لفايروس الإنفلونزا، الذي يمكنه أن يقضي على البشرية بأسرها. ويتكهن العلماء بأن الإنفلونزا التي ينقلها الدجاج قد تكون هي الطاعون القادم الذي يهدد بإفناء البشر. وكانت الإنفلونزا الإسبانية أدت في عام 1918-1919 إلى إصابة ما لا يقل عن 500 مليون نسمة حول العالم. إلى درجة أن منظمة الصحة العالمية وصفتها بأنها «الحدث الأكبر فتكاً في تاريخ الإنسانية». وقد بدأت تلك الإنفلونزا كأي نزلة برد عادية، تسبب سعالاً، وآلاماً في المفاصل، ثم لما استفحلت بدأت تجعل ضحايها ينزفون دماً من الفم، والأنف، والأذن، والعين! وأشارت أصابع الاتهام أول الأمر إلى أن ذلك الفايروس ربما قفز للإنسان من الخنازير، غير أن العلماء توصلوا في عام 2005 إلى أن الطيور هي مصدرها. الإنسان عدو نفسه ! ضحية بطنه ! في عام 1997، تم اكتشاف فايروس إنفلونزا الطيور H5N1، بعد إصابة طفل في الثالثة من عمره، في هونغ كونغ، بوجع في الحلق والبطن، وفي غضون أسبوع توفي الطفل متأثراً بمرض تنفسي قاسٍ. غير أن العلماء سارعوا لاحتواء الوباء، ولم يصب سوى 18 شخصاً، توفي ثلثهم. ويقول الخبراء إن المشكلة التي تتحطم عندها صخرة العلم تتمثل في أن الفايروسات لا تبقى على طبيعتها الأولى التي انطلقت بها، وإنما تحدث فيه تغيرات، وتتحور طبيعته كلياً. وعلى رغم أنه أمكن احتواء فايروس H5N1، إلا أنه لا يزال موجوداً في الدواجن. وليس هناك ما يمنع التشاؤم من أنه يمكن أن يأتي يوم يصبح فيه القاتل الأكبر للبشر. ويقول غريغر: لو اندلع هذا الفايروس فسيكون وباء أسوأ مما حدث في 1997. وحذر من أن فايروس H5N1 لا يقتصر ضرره على الرئتين، بل يهاجم الدم، ولا يترك عضواً داخلياً دون أن يدمره. وتقول مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية إنه لو أضحت هذه الفايروسات تنتقل عن طريق الهواء فستكون «كارثة عالمية كبيرة جداً». ويشير غريغر إلى أن تقطيع أشجار الغابات وحرقها في ماليزيا قبل 20 عاماً، تمهيداً لاستخدامها في الزراعة، أرغم وطاويط الفواكه على اللجوء للعيش في أشجار المانغو، بالقرب من مزارع الخنازير. وكانت الوطاويط تنثر بولها ولعابها على مزارع الخنازير، ما أدى إلى انتقال فايروس نيباه Nipah إلى الخنازير، ومنها إلى البشر. وتوفي أكثر من نصف عدد من أصيبوا به. وصنفته الولاياتالمتحدة باعتباره عاملاً محتملاً لممارسة الإرهاب البيولوجي. وقد استخدم هذا الفايروس في دور رئيسي لفيلم «كونتاغيون» (العدوى)، الذي حقق مشاهدة عالية جداً خلال الفترة الأولى التي أعقبت اندلاع جائحة كوفيد-19، ولم ينته فايروس نيباه إلا بعد قتل كل الخنازير في ماليزيا. كما أن فايروس H5N1 لم يخمد في هونغ كونغ، إلا بعدما قامت السلطات بحرق جميع الدواجن في هونغ كونغ. بيد أن المشكلة أنه تتم إعادة تربية هذه الحيوانات والطيور لتعود إلى مستواها السابق لتلك الأوبئة. ويجدد ذلك المخاطر المتمثلة في إمكان اندلاع فايروس وبائي قاتل في أية لحظة. يخلص غريغر إلى أن الحل الأوحد لتجنيب البشر هذه الأوبئة يتمثل بإبادة كل الحيوانات والطيور الناقلة للفايروسات. لكن هذا الحل لا يقدم إجابة لمن يعتمدون على التهام الدجاج وبيضه ولحوم الخنازير والحيوانات الأخرى. ويرى علماء آخرون أن الأمر يتطلب تغييراً جذرياً في طريقة تربية الدواجن. ويحذرون من أن تربية الدجاج بالطريقة التي تعتمدها ثقافة «تصنيع اللحوم»، خصوصاً في الصينوالولاياتالمتحدة، تعني أن الإنسان يأتي بالفايروسات القاتلة إلى بيته بيديه. أما غريغر، وهو نباتي متشدد، فيرى أن إبادة الطيور المنزلية، كالبط، والدجاج، هي الحل الأوحد لكسر حلقة التناقل الفايروسي بين الطيور المنزلية والإنسان. ومصداقاً لذلك قال العالم الحائز على جائزة نوبل في الأحياء البروفيسور جوزيف ليدربيرغ: «إننا نعيش في تنافس متطور مع البكتيريا والفايروسات. وليس هناك أي ضمان بأننا سنكسب البقاء». تمنى أن يكون العالم جاهزاً ل «الجائحة» مثل استعداده للحروب غيتس ليس وحده وهذه هي مبررات توقعاته «الوبائية» التي صدقت ! هل صحيح أن الملياردير المحب للإنفاق الخيري بيل غيتس تكهن باندلاع جائحة فايروس كورونا الجديد؟ طبعاً أصحاب نظرية المؤامرة، ومن يفكرون بطريقة ساذجة أوّلوا ذلك باعتبار أن وباء كورونا هو عمل تم تدبيره منذ سنوات! والصحيح أن غيتس -بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»- قال إنه حذر الرئيس دونالد ترمب، أثناء حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2016، من أن اندلاع وباء خطر ماثل، وأن على ترمب إذا فاز بالرئاسة أن يضع في صدارة أولوياته ضمان تجهيز الولاياتالمتحدة لمواجهة ذلك الوباء المحتمل. وأضاف غيتس أنه نقل التحذير نفسه إلى جميع المرشحين الرئاسيين في انتخابات 2016. وقال غيتس إنه وخبراء في الإنفلونزا، ومسؤولين سابقين في البيت الأبيض ظلوا يحذرون منذ سنوات من احتمال اندلاع وباء، يتعين أن تكون الولاياتالمتحدة مستعدة لمجابهته. وحذر غيتس في برنامج مؤسسة «تيد توك» في عام 2015 من أن «العالم ليس مستعداً بما يكفي لأي وباء». وفي 2018، وخلال ندوة أقامتها جمعية ماساشوسيتس الطبية، ومجلة نيو إنغلاند الطبية من أن وباء يحتمل أن يندلع في العالم خلال العقد القادم. وقدم غيتس خلال الندوة نموذجاً أعده معهد نماذج الأمراض، توصل إلى أن من شأن إنفلونزا جديدة شبيهة بتلك التي قتلت 50 مليوناً، في وباء سنة 1918، أن يقتل على الأرجح 30 مليوناً في غضون ستة أشهر. وحذر غيتس في الندوة من احتمال اندلاع مرض في العالم المتشابك، سواء أكان اندلاعاً طبيعياً، أم يندلع كمرض يستخدم سلاحاً. وقال: في ما يتعلق بالتهديدات البيولوجية، نفتقر إلى الشعور بأن الأمر لا بد من التعجيل بالاستعداد له. إن العالم بحاجة إلى الاستعداد للأوبئة بالطريقة نفسها التي يستعد بها للحرب. وفي مقابلة معه نشرتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في إبريل 2020، قال غيتس إن احتمالات اندلاع وباء فايروسي يمكن أن تحدث كل 20 سنة أو نحو ذلك. ورأى أن اندلاع جائحة فايروس كورونا الجديد سيرغم الحكومات القادمة على أن تكون لديها مكتبات ضخمة لمضادات الفايروسات، ووسائل تشخيص جاهزة، وأنظمة إنذار مبكر. وأضاف أن خطر الوباء الفايروسي ماثل في ظل توسع السفر في العالم. «ومع المسافرين... سينقله أحدهم». وزاد: لذلك سيكون مطلب الشعوب من الحكومات أن تكون أولويتها الاستعداد للأوبئة الفايروسية. غيتس ليس وحده. فقد ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية أن خبير الأمراض المُعدية مايكل أوستنهولم كتب، في مجلة «فورين أفيرز»، في عام 2005، «إنها لحظة حرجة في تاريخنا. إن الزمن ينفد للتحضير للوباء التالي. يجب أن نتصرف الآن بحزم وهدف». وكتب أيضاً في كتابه بعنوان «العدو القاتل: حربنا مع الجراثيم القاتلة»، الصادر في 2017، أن الولاياتالمتحدة ليست مهيأة لمجابهة وباء. غيتس وأوستنهولم ليسا وحدهما. فقد حذر عالم الفايروسات الخبير بالإنفلونزا روبرت ويبستر، في كتاب أصدره في ديسمبر الماضي، بعنوان «صائد الإنفلونزا: فك أشرار فايروس»، من احتمال وقوع جائحة وبائية. وتساءل ويبستر: هل من الممكن أن يندلع وباء قاتل يحدث خللاً كبيراً؟ وردّ بالقول: الإجابة: نعم؛ ليس ممكناً فقط، بل هي مسألة وقت فحسب. وزاد: ستقوم الطبيعة في نهاية المطاف بتحدي الجنس البشري بفايروس شبيه بفايروس إنفلونزا 1918. يجب أن نكون على أهبة الاستعداد. تقويم أجهزة الاستخبارات وطبقاً لشبكة سي إن إن، فإن تقرير تقويم التهديدات العالمية، الذي تصدره أجهزة الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي، حذر في عام 2018 من أن «نوعاً من المايكروبات الخبيثة الذي يمكن أن يتناقل الناس عدواه بسهولة سيظل يمثل تهديداً كبيراً». وفي التقرير نفسه لسنة 2019 ورد «أننا نعتقد أن الولاياتالمتحدة والعالم سيظلان عرضة لوباء الإنفلونزا القادم، أو لاندلاع على مستوى أكبر لمرض مُعدٍ قد يؤدي إلى معدلات ضخمة جداً من الوفيات، والإعاقة، وسيؤثر بشكل قاس على اقتصاد العالم، ويستنزف الموارد العالمية». وفي مقال نشره موقع «بوليتيكو» الإخباري الأمريكي في عام 2017، تكهن المدير السابق لمكتب المساعدات الأمريكية للكوارث، التابع للمعونة الأمريكية، خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، جيريمي كونيندايك بأن «حدوث أزمة صحية عالمية كبيرة مسألة وقت فحسب». وأضاف أنه في وقت ما سيظهر فايروس شبيه بوباء الإنفلونزا الإسبانية، قاتل بشدة، ومُعْد بصورة كبيرة. وخلص إلى أن الرئيس دونالد ترمب ليس مستعداً لمواجهة وباء من ذلك القبيل. وذكرت شبكة «سي إن إن» أن المديرة السابقة للاستعدادت الطبية والدفاع البيولوجي، التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، الدكتورة لوشيانا بوريو حذرت في عام 2018 من أن «التهديد المتمثل في اندلاع إنفلونزا وبائية هو مصدر القلق الأمني الصحي الأول. هل نحن مستعدون له؟ أخشى أن الإجابة: «لا». وكان مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون قد قام بحل تلك الإدارة، وتسريح موظفيها، في سياق قيامه بإعادة هيكلة مجلس الأمن القومي في إدارة ترمب. وكتبت بوريو في كتاب أصدرته عام 2005، بعنوان «نهاية الدنيا: تكهنات وتنبؤات حول نهاية العالم»، «بحدود عام 2020 سيتفشى في جميع أنحاء العالم مرض خطير شبيه بالالتهاب الرئوي الحاد، يهاجم الرئتين، والشعب التنفسية، وسيقاوم كل الأدوية المعروفة». وبالطبع هناك أشهر المتكهنين بجائحة فايروس كورونا الجديد، وهو المخرج السينمائي المعروف ستيفن سودربيرغ، وكاتب السيناريو القدير سكوت بيرنز، اللذان تكهنا بهذه الكارثة الفايروسية الحالية. ففي فيلمهما «كونتاغيون» (العدوى)، تحدثا عن ظهور مرض خيالي اسمه MEV-1، يطلقه خفّاش في خنزير، فينتقل إلى إنسان لم يغسل يديه حين صافح شخصاً آخر. وتبلغ فترة حضانة الفايروس الخيالي 70 ساعة. ويؤدي إلى الموت في معظم حالات الإصابة. نوسترداموس.. كذب المنجمون ولو صدقوا ! هل تنبأ الطبيب والصيدلاني المعروف نوسترداموس (1503-1566) في كتابه الذائع «التنبؤات»، الصادر في عام 1555، بجائحة كورونا التي اندلعت في عام 2019؟ مهما يكن شأن طب نوسترداموس، وصيدلانيته، فهو لا يعدو أن يكون منجماً، كذب وإن صدق. صحيح أن قليلاً من تنبؤاته صدقت، ومنها اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1792. لكن الإجماع ينعقد على أنها ضرب من الكهانة الزائفة. وجاءت التنبؤات في نحو ألف رباعية شعرية، عسُر على قرائها فهمها! وقيل إنه تكهن بأن تقوم قيامة الدنيا في عام 1999. ولم يحدث ذلك بالطبع. والواقع أنه تنبأ بنهاية العالم في سنة 3797م. وفي إحدى رباعياته يشير إلى أنه سيندلع وباء ليس بعيداً من نهر التيبر، في إيطاليا، وسينطلق من هناك وباء يجتاح الإنسانية كلها. ويقول في رباعية أخرى إن كارثة كبرى ستجتاح أراضي الغرب ولومباردي (مقاطعة إيطالية)... «النار في السفينة والوباء والأسْر». وذكرت صحيفة «الإكسبريس» البريطانية أن هناك من فسروا ذلك بأنه تأكيد لانطلاق وباء كوفيد-19 من مقاطعة لومباردي، وتفشيه في بلدان أوروبا. وبأن الإشارة إلى «الوباء» و«الأسْر» هي إشارة لداء كوفيد-19، وللحجر المنزلي الذي يواكبه. وعلى رغم أن ذلك قد يتراءى تحققاً لتنبؤات نوسترداموس، إلا أن العلماء يعتبرونه ضرباً من التخمين. وينكر كثيرون أن يكون نوسترداموس أشار إلى وباء فايروس كورونا الجديد بأية حال. «أزمة 2020».. كارثةٌ ما.. التاريخ يعيد نفسه ! في عام 1991 أصدر الباحثان الأمريكيان وليام شتراوس ونيل هاو كتاباً بعنوان: «أجيال». ويحذر الكتاب مما سماه «أزمة 2020». ووصفها المؤلفان بأنها «كارثة غير محددة». وحذرا من أنها ستفوق فظاعة أية كارثة واجهها أسلاف الأمريكيين. وقالا إنها قد تكون كارثة بيئية، أو تهديداً نووياً، أو فشلاً كارثياً في الاقتصاد العالمي. وتقوم نظريتهما، التي يعتبرها كثيرون بأنها تنبؤ بنازلة كورونا التي تدمر الإنسانية حالياً، على أن الحضارة الغربية الأمريكية تكبو وتنهض خلال دورات زمنية تقدر بنحو 80 عاماً. وقد تأثر بنظريتهما طيف واسع من القادة الأمريكيين المعاصرين، من الليببراليين؛ ومنهم الرئيس بيل كلينتون، ونائب الرئيس السابق آل غور، ومن المحافظين، مثل نيوت غينغريتش، وستيف بانون. وقد توفي شتراوس في عام 2007. لكن شريكه في التأليف هاو لا يزال على قيد الحياة. وأوضح هاو -في مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) في عددها الصادر في 28 مايو 2020- إن وزميله شتراوس اختارا عام 2020 ليس عن نبوءة، وإنما لأن سنة 2020 هي الأقرب لدورة الكبوة الحضارية التي حدداها ب80 سنة. إذ تصادف مرور 80 عاماً منذ الأزمة السابقة الكبرى، وهي الحرب العالمية الثانية، وقبلها بقليل الركود الاقتصادي الكبير. وأشار إلى أن جيل الألفية هو الذي سيكتوي بتحمل تبعات أزمة فايروس كورونا الجديد. وهو الجيل الذي يطالب حالياً بالتزام أقصى الحذر بشأن إعادة فتح الأنشطة الحياتية والاقتصادية بعد الإغلاق الناجم عن الجائحة. وخلص هاو إلى أن الجائحة ستفرز بعد انطواء صفحتها جيلاً جديداً من القيادات السياسية، وستؤدي إلى اقتصاد جديد، واكتشافات صحية جديدة، مثلما حدث حين تم التوصل إلى لقاح لفايروس شلل الأطفال. سيبقى سنتين في عالمنا.. كوفيد- 19 متى ستغرب شمسه ؟ لو وُجه السؤال إلى العامة، لجاء جوابهم بأنه يتمنون أن يختفي من على وجه الأرض اليوم، قبل الغد. لكن العلماء يرون غير ذلك. ربما لأنهم يستخدمون مناظير غير أعين الناس المجردة. ويقول علماء مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية، التابع لجامعة مينسوتا الأمريكية، في تقرير نشر مطلع مايو الماضي، وبثته شبكة (سي إن بي سي)، إنه نظراً لأن فايروس كورونا الجديد مُعْد أكثر من فايروس الإنفلونزا، فإنه قد يبقى على الأرجح سنتين أخريين. وأشاروا إلى أن فترة حضانته أطول من فترة حضانة فايروس الإنفلونزا. ويعني ذلك أن ظهور الأعراض لدى المصاب سيستغرق فترة أطول، كما يعني أنه مُعدٍ أكثر قبل ظهور أعراضه على المصاب. وعلاوة على ذلك اتضح أيضاً أن كوفيد-19 أظهر عدداً كبيراً من الإصابات التي لم تصاحبها أعراض. ويضاف إلى ذلك أنه اتضح بالمثل أن معدل متوسط العدوى (R0) -بمعنى أن المصاب الواحد يمكن أن ينقل العدوى إلى شخص واحد على الأقل- في كورونا الجديد أكبر منه في فايروس الإنفلونزا الإسبانية. وتشير تقديرات علماء الوبائيات إلى أن متوسط العدوى بكوفيد-19 يراوح بين 1.4 و5.7، طبقاً لدراسات متباينة. وذكر علماء المركز المذكور أن الدول عادة ما تسيطر على متوسط العدوى عند 1، من خلال إجراءات الإغلاق، والحجر المنزلي، وحظر السفر، ومنع التجول. لكنها إذا أقدمت على تخفيف الإجراءات الاحترازية قد يعاود المتوسط الارتفاع فوق مستوى 1. وإذا سعت السلطات إلى السماح للفايروس بإصابة عدد كبير من السكان، لتكوين أجسام مضادة، في ما يعرف ب«مناعة القطيع»، فإن ذلك سيتطلب إصابة 60%-70% من السكان. وهي نسبة كبيرة ومثيرة للقلق. وبالمقارنة بين فايروس الإنفلونزا الإسبانية وفايروس كورونا الجديد، تكهن أولئك العلماء بأن الأخير باق مدة تراوح بين 18 و24 شهراً.