بين ومضة «التَوْقِيعَة» والقصيدة الطويلة كان المنجز الشعري.. وبين مبدأ «النوعية» والوظيفة الوجدانية جاءت الصَنْعَة البديعية.. وبين مهارة الاستهلال وإجادة الوصف ظَهَرَت رهفة الإحساس.. وبين المنجز والشهرة والأدب والمنصب وُجدت المنصة الشعرية.. وبين الإسهال والتكرار الشعري ضَبَطَ الإقلال والإكثار.. تلك هي الملحمة الشعرية لرجل الدولة الوزير والسفير الدكتور عبدالعزيز خوجة. اعتز بما تَحَمَّله بصفته شاعراً وأدبياً ومثقفاً، وافتخر بما حَمَلَه من مسؤوليات؛ أكاديمياً وسفيراً ووزيراً، وبوسم «شاعر» أفنى مَعْشَره بلطف، وأخرج من ملحمة شِعْرِه قصيدة لا تشبهها قصيدة، وحين ينظم الشعر يركض وراء قلبه ومن وراء عقله حين يمارس النقد.. شاعر مجُدِّد في مفرداته وبنية نصوصه. وبين الأصالة والمعَاصَرة تجذَّر التراث والأبعاد الإنسانية في شِعْره، وبنصوص مهذَّبة هادئة مال للشعر الغنائي بلغة مختزنة لم تغرق في الحداثة الشعرية، وبوضوح المعنى وقوة المبنى كتب قصائد شمولية متفردة؛ تأملاً وصدقاً وجمالاً ودفئاً.. شاعر وصّاف وشعرٌ شموليٌ غير بعيد عن الخصوصية. بشفافية صادقة وعشق عرفاني، وقراءة بين «العمودي» و«الحر»، ودقة جرس موسيقى شعرية في شقها الغنائي؛ كتَبَ عن معاناة الذات الإنسانية والقيم المجتمعية، وتغزَّل بالوطن والغُرْبة والترحال والمكان والزمان، ونطق باسم الحب والعاطفة والهوى والنفس والروح، ومس سحر المرأة وسرها في الذات البشرية.. تلك اليقظة السامية العميقة والوعي الجمالي المتعمق. وبرؤية معبِّرة عن وهج مُشْمِس يلامس آمال الإنسان وأمانيه؛ أنتج نصوصاً حاكت النفس البشرية وصورت مظاهر الحياة؛ روحاً وعمقاً وجزالة، ببحور ورموز شعرية صافية، وتفعيلات مفتوحة ولغة مكنوزة، وخصوصية الاختزال وتجليات الإيجاز.. رجل متواضع في كل شيء إلا عندما يتحدث عن الشعر. في شاعرية مفرطة وتراكيب فنية واضحة الدلالة، ضَبَطَ مسيرة القصة في قصائده بفضاء مطبوع بالكثافة والنصاعة والتعدد واللانهاية؛ مستخدماً أدوات شعرية أكثر قرباً إلى العواطف المرتبطة بخلايا القلب الذبيح وجوانح العقل الرزين، فسَرَحَ فكر المتلقي في معانيها وعاش تفاصيلها.. عظمة نصوص موزونة كرواية تاريخية محبوكة. لما قَرَض الشعر في منتصف السبعينات الميلادية بداية من ديوانه «حنانيك»، انطلق بآفاق حب وشوق، ورضا وجمال، وتراث وطبيعة؛ بوح صادق، وعذوبة رقي، وكنوز لغة، كأنه ابن الحياة الذي يحتفي بشعريته التخيلية.. سَيْرٌ إلى القارئ دون غطاء. وبرباط إيماني نحو رحابة الحق والحقيقة؛ سطَّر في ديوانه «سبحان من خلق» مساحات واسعة لتعلق النفس بفضاءات ربها صفاء وتبتُّلاً، ومسارعة إليه بقلب زكاه التقوى ورققه الأدب، وفي مُؤَلَّفه «رحلة البدء والمنتهى» ملأه شِعِراً بدفء في صقيع بوح عذب، وتلقائية نفس وبهاء قلب وجمال ذات.