رحب مختصون في الشأن العدلي والحقوقي بقرار إيقاف الجلد في العقوبات التعزيرية، واعتبروها خطوة مهمة نحو التحديث والإصلاح والاستعاضة عن الجلد بالعقوبات البديلة ذات النفع العام. وقدرت مصادر «عكاظ» الأحكام التعزيرية بالجلد في القضايا الجزائية بنحو 60 % من الأحكام التي تصدرها المحاكم والتي تقدر ب 84 ألفاً من أصل 140 ألف قضية تنظرها المحاكم الجزائية بالمملكة سنوياً بمتوسط 12 ألف قضية في الشهر الواحد. وقال مختصون ل «عكاظ» إن عقوبات القصاص والسجن والغرامة والتعويض والتشهير تضاف لها العقوبات البديلة، تحقق الردع المطلوب للجناة، وإن الأنظمة المعمول بها أمام المحاكم كافة خلت نصوصها من الحكم بالجلد غير نظام مكافحة المخدرات والذي قد يجري تعديله بما يتماشى مع التوجه الجديد. وطبقاً للقاضي السابق في المحكمة الجزائية المتخصصة يوسف غرم الله الغامدي، فإن المبادئ القضائية تعد تشريعاً والمبدأ القضائي ملزم للمحاكم، ولا شك أن إلغاء عقوبة التعزير بالجلد مرجعها إلى ولي الأمر والحاكم كون التعزير يتفاوت ويمكن أن يكون بالتوبيخ. وأضاف أن التعزير ليس كالحدود وقد وجد لتحقيق كمال العدل، لأن طبيعة الناس تختلف وكذا نوع الجريمة وظروفها رغم اتحاد الجريمة وتشابهها في ظاهرها، وبالتالي فإن التعزير كعقوبة حق لولي الأمر وإلغاءها وتقنينها حق لولي الأمر، كونه ينظر نظرة عامة وشاملة لتحقيق المصالح العليا ودفع المفاسد الكبرى، وهذا يحسب للقضاء السعودي الذي ما زال يتطور أكثر وأكثر بقيادة حكيمة وواعية تسعى لتطوير القضاء وسن تشريعات جديدة وإحداث نقلات متتالية لمرفق القضاء. أما عضو النيابة العامة السابق المحامي صالح مسفر الغامدي فيرى أن إيقاف الحكم بعقوبة الجلد في العقوبات التعزيرية، خطوة مهمة للجهات العدلية ويفتح الباب للتوسع في إصدار العقوبات البديلة وفق الأنظمة. ولفت إلى أن قرار إلغاء الجلد من العقوبات التعزيرية، أما الحدية فلا يزال الحكم بالجلد قائماً وهي مقننة في الحدود. ولفت إلى أن نظام مكافحة المخدرات يكاد ينفرد من بين الأنظمة بالنص على عقوبة الجلد، والجلد تعزيراً كان في القضايا التي لم يرد فيها نص في النظام وباب التعزير واسع فيه عشرات الأوصاف من الجرائم والتي كانت تضيف عقوبة الجلد إلى حكم السجن مثل قضايا المضاربات والسرقات والسب والشتم والاعتداء والنصب والاحتيال والغش والاختلاس والعقوق وكافة الجرائم الأخلاقية بأنواعها وأصنافها. من جانبه، وصف أستاذ القانون بمعهد الإدارة العامة والمحكم الدولي المعتمد الدكتور محمد أحمد المقصودي قرار إيقاف أحكام الجلد في العقوبات التعزيرية، بأنه نقلة نوعية في ظل تطور المنظومة العدلية وتطوير القضاء الجزائي بشكل محترف وصولاً إلى نظام العقوبات البديلة والذي سيصدر قريباً. وقال إن القرار امتداد للقرارات والخطوات التي اتخذتها الدولة في سبيل حماية وتعزيز حقوق الإنسان بشكل دائم ويساهم في الوصول إلى التقنين المنشود، والتقنين سيجعل غالبية الخصوم يتوقعون ما سيحكم به القضاء، وبهذا سيكون التقنين عاملاً كبيراً في تقليل الخصومات، وعدم تراكمها، وعدم إطالة المنازعات، وسيقضي على مشكلة تأجيل الحكم، ووسيلة لتوفير ضمانات للخصوم، وتحقيق العدالة، ولن يُسلب القاضي سلطته بل سيترك له سلطة تقدير العقاب الملائم بين حدي العقوبة المقررة أو لتقدير الظروف المؤثرة للدعوى. ويرى المحامي خالد أبو راشد أن إيقاف الحكم بعقوبة الجلد تعزيراً يعد نقلة نوعية، وينطلق من مبادئ النظام الأساسي للحكم لتحقيق العدل والمساواة، وحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية وهي خطوة سبقتها خطوة مهمة تمثلت في إيقاف العقوبات بالشبهة ليرتقي التعديلان بالقضاء إلى ما يسهم في تجويد الأحكام بما يتفق ومبادئ حقوق الإنسان. وأضاف أبو راشد أن العقوبات البديلة ستتيح للمحكومين تقديم خدمات اجتماعية يستفيد منها المجتمع، والمحكوم نفسه وتساعده على الإندماج في المجتمع، إلى جانب تقليل الضغط على السجون. وأكدت المحامية رباب المعبي، أن هناك أحكاماً بديلة كثيرة عوضاً عن الجلد تحقق النفع العام للمجتمع، في حين تبقى العقوبات الأصيلة من قصاص أو سجن أو غرامة أو توبيخ أو تشهير أو تعهد أو تعويض عقوبات مناسبة وفقاً للجرم الجنائي وتحقق الردع.