تتجه الأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم إلى تطبيق العقوبات البديلة أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية، حيث تعرف العقوبات البديلة بأنها فرض عقوبة غير سالبة للحرية ضد المحكوم عليهم وتمثل مجموعة من البدائل لعقوبة السجن كخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع، أو لمرفق ما أو حضور دورات أو المشاركة في أعمال خيرية ونحو ذلك مما يستفيد منه السجين بهدف إصلاحه وفي نفس الوقت تقديم خدمة للمجتمع. وتضمنت لائحة العقوبات البديلة النص على عقوبات يلجأ إليها القاضي في قضايا معيّنة ووفق ضوابط محددة، لكي تكون هذه العقوبات ذات أثر وتحقق المقصد والهدف منها ومن ضمن هذه الآلية وجود جهة تقوم على تنفيذ هذه العقوبات والإشراف عليها، وفي أروقة المحاكم تجارب في تطبيق العقوبات البديلة لاقت ترحيبا واسعا، وينتظر المجتمع تفعيل مشروع هذا النظام وتطبيقه. حلول بديلة وفي البداية تحدث د. إسماعيل كتبخانه - أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب سابقا بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة -: العقوبات البديلة للسجن هي عقوبات تشمل مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي بدلاً عن السجن بهدف إصلاح الفرد بأسلوب تربوي راق وحمايته من الأذى وتقديم مساهمات بناءة للمجتمع وهي غالباً تطبق على الأفراد الذين يمكن أن يصدر حكم بسجنهم لفترة قصيرة قد تكون سنة أو عدة أشهر أو أسابيع، وقد أكدت العديد من الدراسات الاجتماعية الحديثة عن خطورة عقوبة السجن بالنسبة لبعض أنماط من الجناة، تلك الأنماط التي يعكس سلوكها خطورة جزائية ضئيلة كمرتكب الجريمة بالمصادفة وهو يمثل فئة من الجناة حيث يكون الدافع إلى الجريمة لدى أفراد هذه الفئة والمانع من ارتكابها على درجة سواء، أي حالة توازن ولا تقع غالبا الجريمة من الجاني المنتمي إلى هذه الفئة إلا إذا صادفه عارض يخل بهذا التوازن، فمثل هذا النمط من المخالفين لا يستحق أن يوصف بوصف المجرم الخطير كما لا يستحق أن يودع في السجن بين معتادي الإجرام ومحترفيها فتفسد شخصيته بعد أن كانت في أغلبها خيرة ويمكن أن تجعل منه مستقبلا مجرما مثلهم، كما إن سجن مثل هؤلاء وغالبا يكونون كثر يؤدي إلى ازدحام السجون كما يؤدي إلى زيادة التكاليف والتأثير على هؤلاء إلى جانب التأثير الأسري، ومن الممكن إيجاد عقوبات بديلة عن السجن يطبق كل بديل حسب كل حالة ويقدرها القاضي ومنها الغرامة المالية وإغلاق المحل وإيقاف التراخيص للعمل لفترة محدودة، وقف النطق بالعقوبة وعدم الإفصاح عن العقوبة كما ونوعا والاحتفاظ بها مسجلة عليه لمدة محدودة ومن ثم إلغائها، ومن العقوبات البديلة للسجن ويمكن أن يتقبلها الكثير من الجناة ولها فعالية جيدة للفرد والمجتمع وهي إلزام الجاني بالقيام بعمل في إحدى المؤسسات الاجتماعية أو الحكومية لعدد معين من الساعات خلال فترة العقوبة يحددها الحكم الصادر من القاضي وكذلك يحدد الجهة التي سيعمل فيها ونوع العمل، وكل ذلك وغيره من البدائل المفيدة التي يمكن أن تساهم بإيجابية في ردع الجاني وإصلاحه وتهذيب سلوكه. خيارات مثالية وأشارت ابتسام الحيان - أخصائية نفسية - إلى طبيعة البشر محبة لاقتحام المجهول والقفز على المعايير الاجتماعية، وتبعا لذلك يقع الفرد في الجريمة مما يستلزم اتخاذ عقوبة صارمة، وعندما تكون السجون مؤسسة إصلاحية هدفها تعديل سلوك المذنب وجعله مواطنا صالحا وفعالا في مجتمعه، فإن احتكاك المذنب بأصحاب الجرائم يولد سلوكا عدوانيا آخرا ينافي الهدف المنشود، وتتجلى أهمية العقوبات البديلة في جعلها الفرد يمارس حياته الطبيعية بنوع من الردع النفسي بعيدا عن قضبان الحديد، فكون الفرد لا يمتلك بعض الصلاحيات المتاحة للآخرين في ظل تعايشه معهم فهذا شعور داخلي مؤلم كفيل بتبصيره بحجم الجريمة التي ارتكبها مما يجعله يعيد النظر في سلوكه ويقومه، وهي خطوة قضائية مميزة في معالجة سلوك المجرم بعيدا عن خدش الصورة الاجتماعية العامة له، حيث يسير التوجه إلى إصلاح الجاني حتى لا يؤثر سلبا على ثقته بنفسه فينشأ شخص مضاد للمجتمع، وتكسبه لمسة احترام بعيدا عن نظرة الشفقة من الآخرين، وإضافة إلى تواجده في بيئته الأسرية يوفر له مرحلة مهمة من الأمن النفسي والاحتواء وتحويل سلوك الجاني إلى فكرة جديدة متكاملة تحتوي على الاستبصار بذاته والتصالح معها بطريقة غير مباشرة تعد نقلة فريدة في تعديل السلوك الإجرامي في وقت قياسي، مؤكدة أن مثل هذا النوع من العقوبات تعمل على توازن معيار القوام النفسي فهي تعالج جلد الذات المؤدية إلى الشعور الشديد بالذنب مما يولد اضطرابات نفسية وبالمقابل يرتفع تقدير الذات لديه وجميل الانتماء للمجتمع وتقبله غير المشروط حيث إن تقبل الفرد من أساسيات التكيف الاجتماعي، ومخالطة الأسوياء سلوكيا. واكتساب المزايا الملهمة تنتج شخصا بحلة نفسية جديدة قادرة على ممارسة الدور الرائد والسامي في المجتمع. عبء أقل بدوره قال خالد أبو راشد - محامي -: أنا مع العقوبات البديلة بكل المقاييس، شرعنا أقر حقيقة بالعقوبات البديلة ولكن جعلها اختيارية أو تقديرية تعود لتقدير القاضي، ونحن نتمنى التوسع في مسألة العقوبات البديلة خاصة لعدة أسباب أولاً كلنا نعرف ضرر السجن فالحكم بالسجن ربما يؤدي لفصله من عمله أو دراسته أو أن لا يلتحق بالعمل لعدة سنوات عوضاً عن الأضرار المجتمعية بسبب عقوبة السجن كذلك في السجن يختلط بأرباب السوابق والمجرمين وليست كل مخالفة يرتكبها الإنسان تستوجب عقوبتها السجن، فهناك مخالفات تكون عقوبتها بديلة وأنا أطالب بشدة بالتوسع في تطبيق العقوبات البديلة أيضا لأن السجون تعاني من كثافة وهذا يكلف الدولة الشيء الكثير ومع العقوبات البديلة خدمات اجتماعية وغيرها من الأمور التي فيها إصلاح وتهذيب بدل السجن. خيار جديد ولفت الشيخ ناصر العبيد - عضو لجنة المناصحة سابقا - إلى وجود قصور ثقافي واجتماعي بهذا الموضوع، مضيفاً: أعتبره جديدا على مجتمعنا ويحتاج مناقشة وتسليط الضوء عليه إعلاميا والعقوبة البديلة تدخل في الحق العام وليس في الحقوق الخاصة وإذا نظرنا إليها من حيث المبدأ الحكومي نجد أن الدولة تنظر إليه من ناحية العبء في تكدس المساجين وتحمل المسؤوليات والنفقات لذلك له جوانب مشتركة من ناحية أن العقوبات البديلة فيها تخفيف العبء على الدولة ومن جانب آخر لعل وعسى أن تكون بعض البدائل التي يقررها القاضي إصلاح لمن تقع عليه العقوبة، ولو جئنا لها في الإجمال نجدها جميلة ولكن للأسف أحيانا تحديد القاضي للعقوبة البديلة قد يكون جزافيا ويكون اجتهاد من القاضي ويكون مردودها عكسي وهنا أقول: إنه يجب مراعاة طبيعة الإنسان من ناحية السن والجنس وأمور أخرى وبدل أن نعاقبه ونصلحه ندخله في مشاكل ربما تكون نفسية لذلك عملية العقوبات يجب أن تقنن وتكون مدروسة بجدية، ووجهة نظري ورأيي في هذا الموضوع أن تكون لدى القضاة قائمة بالعقوبات البديلة وهي في الأخير تأديبية وإصلاحية وليست فرضية، وأظن أنها تناسب صغار السن والمراهقين. «العقوبات البديلة» أسلوب فعّال لتقويم سلوك المذنب وخدمة المجتمع معاً بدائل متعددة وقال الشيخ د. ياسر البلوي - قاضٍ سابق في وزارة العدل والذي شارك من ضمن عدد من القضاة في الاهتمام بنضج تجربة القضاء في إصدار عدد من الأحكام والتدابير البديلة للسجن كما شارك في دراسة مسودة نظام العقوبات البديلة، التي كانت تحت الدراسة في هيئة الخبراء- : لم يعد السجن والإيقاف هو الحل الوحيد الأمثل لمعالجة القضايا الجنائية أو الحقوقية التي تتطلب عقوبات تعزيرية، السجن كأحد أكثر الأمثلة العقابية شيوعاً في العالم والأكثر استخداماً والأكثر نصاً في الأنظمة العقابية في المملكة والتي أظهرت الدراسات سلبية الاعتماد عليها كنموذج وحيد في العقوبات، ومن هذا المنطلق واستشعاراً لهذه المنطلقات جاءت الأحكام العقابية البديلة للسجون التي يرجع أمر تقديرها إلى أصحاب الفضيلة القضاة، والتي انحصرت في القضايا التي تقتضي تعازيرا وعقوبات لم يرد فيها النص الشرعي بتحديدها، ساعين لإيجاد العقوبة البديلة للسجن والتي تتحقق فيها عناصر التأديب والردع والذي يرجى من تنفيذه إلى جانب العقوبة تحقق التهذيب والإصلاح للفرد كنواة أساسية للمجتمع من خلال أحكام بديلة للأحكام التعزيرية. وأضاف: البدائل لا تنحصر في مرحلة أو صفة أو كيفية أو بالتدبير المتخذ فهي مطلق الاجتهاد التعزيري، فهي تختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والمجتمع، ويمكن تصنيفها على عدة معايير تصنيفية بالإمكان تصنيفها على حسب المراحل التي تمر بها القضية (التحقيق، المحاكمة، ما بعد صدور الحكم والتنفيذ) ويمكن تصنيفها حسب نوع الجريمة (المخدرات، الأخلاقيات، جرائم الأموال، الجرائم القاصرة والجرائم المتعدية)، والجرائم والمخالفات والجنح البسيطة والجرائم الخطيرة، وهناك معيار بحسب طبيعة التدبير المتخذ ومحله (مالية، بدنية، معنوية)، وبإمكان وضع بدائل تناسب هذه المعايير التصنيفية. ولفت د. البلوي إلى أن العقوبة ببدائل السجون قد تكون غرامات مالية، أو أعمالاً خدمية واجتماعية، أو مصادرة وإتلافا، بالإضافة إلى الأعمال اليدوية البحتة أو الأعمال الشاقة، أو حفر الأساسات والآبار، وزراعة الحدائق والأرصفة وسقايتها، وفرش المساجد وصيانتها وتطييبها، ونحو ذلك مما فيه خدمةٌ للمجتمع وإرغامٌ للمذنب بما يمنعه من العودة لجرائمه، ويزجر الآخرين عن مثل فعله، إضافة إلى التعويض عن أضراره المتعدية، واشتراط الصلح والتنازل عن الحق الخاص، أو الاكتفاء بالتوبيخ واللوم والتشهير أو الإقامة الجبرية، وإلغاء التراخيص والمنع من الخدمات المدنية أو قطع الراتب والحرمان من العلاوات والترقيات الوظيفية، وتخفيض الدرجة الوظيفية، بما في ذلك من النقل التأديبي للموظف، أو الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ، والمنع من السفر مطلقا أو مقيدا بأماكن معينة أو الإلحاق ببرامج الدعم الذاتي والتأهيل لمتعاطي المخدرات أو الإلحاق بدورات تدريبية في تنمية الذات والقدرات، والالتزام بحضور الصلوات مع جماعة الحي. للقاضي الحق في تقدير العقوبة البديلة للمذنب أحد الملتقيات العلمية السابقة التي ناقشت العقوبات البديلة د. إسماعيل كتبخانه خالد أبو راشد د. ناصر العبيد د. ياسر البلوي