الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبّر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء: أبو حزرة جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك الكلبي اليربوعي التميمي، نشأ جرير في بادية نجد وعاش بها، وكان له نسب كريم، إلا أن والده عاش فقيراً، ولكن جده حذيفة بن بدر الملقب بالخطفي كان يملك إبلاً كثيرة وأغناماً كثيرة، وكان الخطفي شاعراً مجيداً. اتفق كثير من الأدباء على أن جرير صاحب أقوى ما قالت العرب في الغزل في قوله: إن العيون التي في طرفها حوَرٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا وصاحب أقوى ما قالت العرب في الهجاء: فغضِّ الطرف إنك من نميرٍ فلا كعبا بلغتَ ولا كلابا ماتت زوجة جرير فرثاها بقصيده عدّها النقاد إحدى أجود مراثي العرب يقول: لَولا الحَياءُ لهاجني اِستِعبارُ وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَبرَةٌ وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ أَرعى النُجومَ وَقَد مَضَت غَورِيَّةً عُصَبُ النُجومِ كَأَنَّهُنَّ صِوارُ نِعمَ القَرينُ وَكُنتِ عِلقَ مَضِنَّةٍ وارى بِنَعفِ بُلَيَّةَ الأَحجارُ عَمِرَت مُكَرَّمَةَ المَساكِ وَفارَقَت ما مَسَّها صَلَفٌ وَلا إِقتارُ فَسَقى صَدى جَدَثٍ بِبُرقَةِ ضاحِكٍ هَزِمٌ أَجَشُّ وَديمَةٌ مِدرارُ هَزِمٌ أَجَشُّ إِذا اِستَحارَ بِبَلدَةٍ فَكَأَنَّما بِجِوائِها الأَنهارُ مُتَراكِبٌ زَجِلٌ يُضيءُ وَميضُهُ كَالبُلقِ تَحتَ بُطونِها الأَمهارُ كانَت مُكَرَّمَةَ العَشيرِ وَلَم يَكُن يُخشى غَوائِلَ أُمِّ حَزرَةَ جارُ وَلَقَد أَراكِ كُسيتِ أَجمَلَ مَنظَرٍ وَمَعَ الجَمالِ سَكينَةٌ وَوَقارُ وَالريحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ وَإِذا سَرَيتُ رَأَيتُ نارَكِ نَوَّرَت وَجهاً أَغَرَّ يَزينُهُ الإِسفارُ صَلّى المَلائِكَةُ الَّذينَ تُخُيُّروا وَالصالِحونَ عَلَيكِ وَالأَبرارُ وَعَلَيكِ مِن صَلَواتِ رَبِّكِ كُلَّما نَصِبَ الحَجيجُ مُلَبِّدينَ وَغاروا يا نَظرَةً لَكِ يَومَ هاجَت عَبرَةً مِن أُمِّ حَزرَةَ بِالنُمَيرَةِ دارُ تُحيِي الرَوامِسُ رَبعَها فَتُجِدُّهُ بَعدَ البِلى وَتُميتُهُ الأَمطارُ وَكَأَنَّ مَنزِلَةً لَها بِجُلاجِلٍ وَحيُ الزَبورِ تُجِدُّهُ الأَحبارُ لا تُكثِرَنَّ إِذا جَعَلتَ تَلومُني لا يَذهَبَنَّ بِحِلمِكَ الإِكثارُ كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا مُتَبَدِّلينَ وَبِالدِيارِ دِيارُ لا يُلبِثُ القُرَناءَ أَن يَتَفَرَّقوا لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهارُ