قال ياقوت الحموي (ت 626) في كتابه (معجم البلدان): الفقءُ بالفتح وسكون القاف وآخره همزة قال ابن الأعرابي: الفقءُ الحفرة في وسط الحرَّة وجمعه فقاتُ وهو اسم موضع بعينه قال نصر: الفقءُ قرية باليمامة بها منبر وأهلها ضبة والعنبر. وقال أيضاً: الفقيُ بفتح أوله وسكون ثانيه وتصحيح الياء ولا أدري ما أصله قال السكوني: من خرج من القريتين متياسراً يعني القريتين اللتين عند النباج فأول منزل يلقاه الفقيُ وأهله بنوضبة ثم السحيمية والفقيُ واد في طرف عارض اليمامة من قبل مهب الرياح الشمالية. وقيل: هو لبني العنبر بن عمرو بن تميم نزلوها بعد مقتل مسيلمة لأنها خلت من أهلها وكانوا قتلوا مع مسيلمة، وبها منبر وقراها المحيطة تسمى الوشم والوشوم ومنبرها أكبر منابر اليمامة وقال عبيد بن أيوب أحد لصوص بني العنبر بن عمرو بن تميم: لقد أوقع البقَّال بالفقي وقعةً سيرجع إن ثابت إليه جلائبه فإن يك ظني صادقاً يا ابن هانئ فأيا مئذ ترحل الحرب نجائبه أيا مسلم لا خير في العيش أو يكن لقرَّان يوم لا توارى كواكبه الفُقيُ: بلفظ تصغير الأول وما أظنه إلا غيره ولا أدري أي شيء أصله وقال الحفصي في ذكره نواحي اليمامة: الفقي بفتح الياء ما يسقي الروضة وهي نخل ومحارث لبني العنبر، وشعر القتَّال يروى بالروايتين قال القتَّال: هل حبل مامة هذه مصروم أم حب مامة هذه مكتوم يا أم أعين شادن خذلت له عيناء فاضحة بها ترقيم بنقا الفقيَّ تلألأت فحظا لها طفلُ نداد ما يكاد يقوم إني لعمر أبيك لو تجرينني وصال من وصل الحبال صروم وقد ثناه تميم بن مقبل فقال: ليالي دهماء الفؤاد كأنها مهاة ترعى بالفقيين مرشح وقد ذكر وادي الفقيء في كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي (198 - 285) أو كتاب (الطريق) للقاضي وكيع محمد بن خلف بن حيان من تلاميذ الحربي المتوفى سنة 306ه تحقيق حمد بن محمد الجاسر رحمهم الله في طريقي اليمامة إلى مكةالمكرمة بقوله: (والطريق الآخر يتياسر عن طريق مرأة فأول منبر يلقاك بالفقيْ وأهله بنوضبه) انتهى. وهذا الوادي تتناثر على شواطئه بعض من الدرر هي: (المعشبة) و(الروضة) و(الداخلة)، و(الحوطة)، و(الحصون)، و(الجنوبية)، و(مقبلة)، و(العودة)، و(العطار)، و(الجنيفي)، و(الشارخية). ويلي بوادي (الفقي) وادي (المياه) أو وادي (ابا المياه) ولكنه لا يلتقي معه وعلى شواطئه درر أخرى هي: (جلاجل) و(التويم) و(عشيرة) وأول ما يسقي جلاجل وادي (المياه)، (با المياه) فقد ذكره ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) بقوله: وادي المياه جمع ماء ذكر في المياه ووجدت في بعض التواريخ أن وادي المياه بسماوة كلب بين الشام والعراق وذكره الحفصي في نواحي اليمامة قال: ردوا الجمال وقالوا إن موعدكم وادي المياه وأحساء به بُرُدُ واستقبلت سربهم هينى يمانية هاجت تراعي وحاد خلفهم غرد ويبلغ طول وادي (الفقيء) ثلاثين كيلاً. وقد ذكر صاحب كتاب (صفة جزيرة العرب) لسان اليمن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المولود سنة 280ه والمتوفى على الأرجح سنة 344ه وادي (الفقي) بقوله: ثم تقفز من العتك في بطن (ذي أراط) ثم تسند في عارض الفقي فأول قراه (جماز) وهي ربابية ملكانية عدوية من رهط ذي الرمة ثم تمضي في بطن (الفقي وهو وادٍ كثير النخل والآبار فتلتقي (قارة بني العنبر) وهي مجهلة والقارة أكمة جبل منقطع في رأسه بئر على مائة بوع وحواليها الضياع والنخيل قال راجزهم: إنا بنينا قارة وسط الفقي من الدبابيب ومن سح المطي ومن أمير جائر لا يرعوي لا يتقي الله ولا يرثي شقي ثم تصعد في بطن (الفقي فترد (الحائط) حائط بني العنبر قرية عظيمة فيها سوق وكذلك (جماز) سوق في قرية عظيمة أيضاً ثم تخرج منها إلى (الروضة) روضة الحازمي وبها النخيل وحصن منيع ثم تمضي إلى (قارة الحازمي) وهي دون (قارة العنبر) وأنت في النخيل والزروع والآبار طول ذلك ثم (توم) ثم (أشي) ثم (الخيس) ثم تنقطع الفقي. وقد ذكره صاحب كتاب (لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب) مخطوط بقوله: (أما باكورة سدير فواد بين جبلين ليسا بطويلين وطول أرض سدير قريب من مسافة يومين وهو يشتمل على بلدان كبار وقرى كثيرة من مشاهيرها: (جلاجل وهي بلد الإمارة) ثم أخذ بعدد بلدانها. ولقد سكن وادي الفقيء قبائل في العصر الجاهلي والعصر الإسلامي فقد سكنته قبائل (صمان) و(عكل) و(ضبة) و(عدي) و(تميم) وهذه القبائل بادية وحاضرة، وكانت البادية لها متربعات في الصيف وتذهب إلى مرابعها في الشتاء في الصمان والدهناء ومن تلك القبائل التي تتنقل بين بلدانها ومرابعها في الشتاء قبائل (حمان) و(ضبه) و(بنو العنبر) فبنوعوف بن مالك يسكنون (الفقيء) ومقر سكناهم (جلاجل) وباديتهم في (الصمان) و(الدهناء) وبعد قضاء القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه على مسيلمة الكذاب وبني حنيفة في أواخر سنة 11ه سنة 632م أسكن رضي الله عنه بني العنبر هذا الوادي وادي (الفقيء) لخلوه من أهله الذين قتلوا مع مسيلمة، ولا يزال بنو العنبر في سدير الآن، ثم سكنه بنو (عائذ بن سعيد) مع القبائل التي فيه، وبعد مرور زمن تغير اسم هذا الوادي إلى وادي (القرى) فقد ذكره أحد سكانه القدماء، وهو الجد (أحمد بن عبدالله الواصل)، فقد ذكره لابن فضل الله العمري كاتب السر في عهد المماليك في مصر ونيابة الشامة (700 - 749ه) قال بن فضل الله العمري في مقدمة كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار): (إلى ما كنت نقلته عن: (أحمد بن عبدالله الواصل) وغيره من مشيخة العرب وقال: (وحدثني أحمد بن عبدالله الواصل أن بلادهم بلاد خير ذات زرع وماشية بقرى عامرة وعيون جارية ونعم سارحة ولأرضهم بذلك الوادي منعة وحصانة. قال: وقد كان المظفر بيبرس الجاشنكيز اهتم بقصده واللحاق به وأن يكون كواحد من أهله مرتزقاً من سوائم الإبل والشاء قال: ثم انثنى رأيه عن ذلك آخر وقت، ولو وجه إليه وجهه كان أحمد لمنتجعه وأدى لعوده إلى صلاح الحال ومرتجعه)، وقد أفاد الجد أحمد بن عبدالله الواصل أفاد سيف الدولة الحمداني رئيس دار الضيافة في عهد المماليك بمصر أفاده عن بني عائذ السالف ذكرهم وعن وادي القرى وادي الفقيء فقال: (عائذ بن سعيد دارهم من حرفه إلى جلاجل والتويم ووادي القرى وليس المعني بالوادي المقارب للمدينة الشريفة زادها الله شرفاً ويعرف بالعارض ورماح والحفر). فكان به فضل الله العمري ينقل عن الحمداني (602 - 680ه). وبعد مرور زمن سمي وادي (الفقيء) وادي (سدير) ولا زال يحمل اسمه وادي (الفقيء) ووادي (سدير) وقد انجب هذا الوادي العلماء الأفاضل الذين طبقت شهرتهم الآفاق وضربت إليهم آباط الإبل مثل: الشيخ عبدالله بن أحمد بن محمد بن عضيب المولود في إحدى بلدتي الروضة أو الداخلة من بلدان سدير في حدود سنة 1070ه. الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن مشرف (... - 1079ه) وهو جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب طلبه أهل روضة سدير قاضياً لهم فأجابهم إلى ذلك وانتقل من أشيقر وسكن عندهم ونشر العلم في الروضة وحث الناس على التعلم ورغبهم فيه وانتفع به خلق كثير. ومثل الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سلطان أبا بطين (... - 1121ه) المولود في روضة سدير وصاحب الكتاب المشهور المسمى (المجموع فيما هو كثير الوقوع) وقد اختصره من (الإقناع) للشيخ الحجاوي وفرغ من تأليفه سنة 113ه. ومثل ابنه الشيخ عبدالله بن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله أبا بطين (1194ه - 1282ه) عالم الديار النجدية ومفتيها المولود في روضة سدير. ومثل الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد المنقور المؤرخ وصاحب المجموع الشهير المولود في حوطة سدير وقاضيها (1067 - 1130ه). ومثل ابنه الشيخ إبراهيم بن الشيخ أحمد المنقور (1103ه - 1175ه) المولود في حوطة سدير وقاضيها. ومثل الشيخ محمد بن غنام الذي ولي قضاء الروضة في زمن الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ومثل الشيخ أبو نمي بن عبدالله بن راجح التميمي نسباً من العرينات المولود في عودة سدير، وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري وغيرهم كثير. ولقد أنجب وادي الفقيء كذلك الشعراء ومن شعرائه القدماء في القرن الأول الهجري الشاعر: عروة بن حزام بن مهاجر الضي (... - 30ه) شاعر من متيمي العرب كان يحب ابنة عم له اسمها (عفراء) نشأ معها في بيت واحد لأن أباه خلفه صغيراً فكفله عمه فلما كبر خطب (عفراء) فطلبت أمها مهراً لا قدرة له عليه، فرحل إلى عم له باليمن وعاد بالمهر فوجدها قد زوجت لغيره فضني حباً ومات ودفن بوادي القرى (وادي الفقي) (وادي سدير) اليوم. ومن شعراء وادي الفقي كذلك الشاعر (ذو الرمة) غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي من مضر أبو الحارث (77 - 117ه) صاحب قصر غيلان من قرية (جماز) قديماً (عودة سدير) اليوم واشتهر في عصره وأكثر شعره تشبيب وبكاء اطلال، وامتاز بإجادة التشبيه عشق (ميه) المنقرية واشتهر بها وهي من بني سعد بن تميم من قرية (الحائط) قديماً (حوطة سدير) اليوم. ومن شعراء وادي الفقي كذلك الشاعر عمرو بن الأهتم المنقري من المخضرمين وهو عمرو بن سنان بن منقر من بني تميم كان سيداً من سادات قومه لقب بالمكحل وكان يقال لشعره (الحلل المنشَّرة) وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم وسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزبرقان بن بدر فمدحه وهجاه ولم يكذب في الحالتين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً). ومن شعراء وادي الفقي كذلك الشاعر: ربيعة بن مقروم الضبي وهو من شعراء الحماسة من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وفد على كسرى في الجاهلية وشهد بعض الفتوح في الإسلام وحضر وقعة القادسية توفي بعد سنة 16ه. ومن شعراء وادي الفقي الشاعر جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر اليربوعي من تميم (28 - 110ه)، أشهر أهل عصره كان عفيفاً وهو من أغزل الناس شعراً وكان هجاءً مرَّاً فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل وكان يكنى بأبي جزره، وتزوج ثلاث نساء منهن (خالدة) بنت سعد بن أوس بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة من تميم، وهي قريبة له في النسب، حيث إنه من يربوع وكانت تسكن جلاجل وقد رثاها بقوله: وكأن منزلة له بجلاجل قصي الزبور تجده الأحبار وحينما كان بقرب روضة (برقة ضاحك) شمال تمير مرضت زوجته خالدة وتوفيت وتم قبرها في مكان مرتفع قرب (برقة ضاحك) ومما قاله في رثائها قوله: لولا الحياء لعادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار ولقد نظرت وما تمتع نظرة في اللحد حيث تمكن المحفار فقى جدث (ببرقة ضاحك) هزم اجش وديمه مدرار هزم أجش إذا اسحار ببلدة فكأنما بجواها الأنهار ولقد أنجب وادي الفقي الأدباء والشعراء المحدثين فقد ألف الأديب الأستاذ أحمد بن عبدالله الدامغ رحمه الله عن الشعر النبطي في وادي الفقي كتاباً من عدة أجزاء، تتضمن بين دفاتها شعراء هذا الوادي المحدثين. هذا وبالله التوفيق.