اقتحمت جائحة كورونا جميع الحدود وتخطت الأسوار، وبذلت الدول جهودا مضنية وسخرت جميع إمكاناتها للحيلولة دون تسارع تفشي الفايروس. اتفقت جميع السلطات الطبية حول العالم على تبني فكرة رئيسية هدفها التقليل من أثر المرض وتطويقه بفكرة «ابق في منزلك»، فعدم اختلاطك بالعالم الخارجي يقلل من انتشار الفايروس وهو أفضل الحلول الاحترازية للوقاية، ولكن يبقى السؤال: كيف هي فضاءاتنا الداخلية على مستوى المنزل وهل تساهم فعلا في إيجاد بيئة صالحة للعزلة والسكن الذي يضمن عدم انتشار ذلك المرض. ولكن قبل ذلك، سيتحدث هذا المقال عن الصورة الأكبر قليلا من منظور المجاورة السكنية والحي، فمن المعلوم أن الأحياء التي تكثر بها المداخل والمخارج -على سبيل المثال- أكثر عرضة من غيرها لانتشار المرض والسيطرة عليه. ومن أبجديات التخطيط العمراني الناجح توفير البيئة السكنية الصحية للجميع وتلبية احتياجاتهم الضرورية دون السماح للغرباء عن الحي بالدخول والعبور المتكرر، فالحي السكني هو بمثابة المنزل الكبير الذي يجب ألا يكون مرورا عابرا لمن ليس له مقصدا فيه، ومن هنا كانت بعض مدارس التخطيط العالمية وخصوصا الفرنسية منها تعتمد على نظام «كول دي ساك» أو ما يسمى بالعربية «الطريق غير النافذ». وتخطيط الأحياء بطرق غير نافذة ذات مداخل محدودة هي مفتاح رئيسي يمكن أصحاب السلطات والساكنين من وضع يد السيطرة المطلقة على الحي وعدم السماح لمزيد من الغرباء أو العابرين بالمرور. وفي مثل هذه الجائحة يصبح لدينا حي معزول تماما عن الفضاء الخارجي للمدينة ونقي لا يسمح بجلب الغرباء من الخارج، حتى وإن كان هذا الغريب فايروس كورونا، وبمجرد أن تلك المجاورات آمنة فإن تلك النظرية ستنطبق تلقائيا على الحي والمدينة بأكملها، وهذا أيضا يعطي إضافة ذات قيمة عالية للجوانب الأمنية والتعليمية والتجارية على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، فإن توفير المتطلبات اليومية في تلك المجاورة مثل الأنشطة التجارية واليومية والحدائق وممرات المشاة المعزولة كليا عن شبكات النقل الأخرى والأثاث المستخدم في العناصر العمرانية، هي عامل أساسي لتهيئة بيئة صحية سليمة تساهم في رفع جودة الحياة. في المملكة العربية السعودية، لدينا العديد من النماذج السليمة لتلك الأحياء، وقد ظهرت بشكل واضح من خلال إحصائيات وزارة الصحة خلال الفترة الماضية، ويبقى الدور الآن على الأمانات وهيئات تطوير المناطق للتفكير خارج الصندوق والتخطيط المبتكر للأحياء ووضع معايير تضمن رفع جودة الحياة، التي هي من أهم عناصر رؤية المملكة 2030 في وطننا الحبيب. أخيراً.. نشير أيضا إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه الجامعات والكليات المتخصصة بالتخطيط من خلال الاستفادة من الدروس والأمثلة المختلفة لتطوير المناهج التخطيطية بما يتوافق مع متطلبات الزمان والمكان. * دكتوراه بالتخطيط العمراني - أمانة الرياض [email protected]