أوضح المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، أنه في حال تعذر إقامة صلاتي التراويح والعيد في المساجد بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجهات المختصة لمكافحة انتشار جائحة كورونا المستجد، فإن الناس يصلونها في بيوتهم تحصيلاً لفضيلة قيام ليالي رمضان وقد أتت إجابته حفظه الله في وقت اشتد فيه اللغط حول صلاة التراويح وأهمية إقامتها وتحريض البعض على إقامتها جماعة ولو في الخفاء. وأنها أمر ضروري لا يتم الصوم إلا بها. فما الأصل في هذه الصلاة.؟ التراويح اصطلاحاً صلوات غير مفروضة يُؤتى بها في ليالي شهر رمضان المبارك بعدد خاص، وقد كنا نسمع في ما مضى من البعض أنها عشرون ركعة ومن لم يصل هذا العدد كاملاً ومع المسلمين جماعة فقد حرم نفسه من ثواب عظيم وحرم أجر قيام الليلة. ولغةً جمع ترويحة تفعيلة من الراحة لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات مثل تسليمة من السلام. ورد في (الموطأ) خرجت مع عمر في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أُبي بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه ولو كان عليه السلام صلّى هذه الصلاة لكانت سُنّة ثابتة ولكن لم يصلها ولذلك قال عمر إنها بدعة ونعمت البدعة ولولا ذلك لقال إنها سُنّة ونعمت السُنّة هي. يقول ابن قدامة وإنما دعاها بدعة لأن الرسول لم يسنّها. وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة في جوف الليل فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدّثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج الرسول فصلّى فصلّوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فقال لهم «إنه لم يخفَ عليّ مكانكم ولكني خشيت أن تُفرض عليكم فتعجزوا عنها»، فتوفي رسول الله والأمر على ذلك. يقول الطبري: إن أول من جمع الناس على صلاة التراويح على إمام يصلّي بهم عمر وفي (المصنّف) لعبد الرزاق أن ابن عمر كان لا يقوم خلف الإمام في رمضان، وقال مالك (المدونة) قيام رمضان في البيت لمن قوي أحب إلي وأنا أفعل ذلك، وما قام النبي إلاّ في بيته. وقال الشوكاني: قالت العترة إن التجمع فيها بدعة، ويقول الماوردي: توفّي رسول الله والناس على ذلك أي على ترك الجماعة في التراويح. وعن مالك وأبي يوسف وبعض الشافعية أن الصلاة في البيوت أفضل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة». وقال ابن بطال: قيام رمضان سُنّة لأن عمر أخذه من فعل النبي وتركه النبي خشية الافتراض. وفي الحديث (فخرج عمر والناس يصلّون بصلاة قارئهم) وفيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم وكأنه يرى أن الصلاة في بيته أفضل، وقد اختلف في عدد ركعاتها. والقول الفصل قول السيدة عائشة ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، لأنها أعلم بحال النبي ليلاً من غيرها. هناك أمر آخر ففي العشر الأواخر من هذا الشهر يندفع البعض لأداء صلاة التهجد في أواخر الليل ويتجمعون لأدائها في جماعة في المساجد، وهذا لم يفعله أحد من الصحابة في عهدهم، فلا يكون وفقاً لما شرعه الله. والتهجد أو صلاة النافلة آخر الليل في رمضان نعم هي من أفضل العبادات ولكن مشروعيتها ألا تكون في جماعة ولا تكون في المساجد وهي بذلك تكون أقرب إلى الإخلاص، إذ الأصل فيها الستر والخفاء. وستر العبادة وخفاؤها من أفضل ما يتقرب به المرء لربه، كما جاء في الحديث عن الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة وذكر منهم رجل تصدق بيمينه ما لم تعلم به شماله، مبالغة في بيان وجوب الحرص في إخفاء العبادة فصلاة التهجد التي يؤديها الناس في العشر الأخيرة وفي آخر الليل في جماعة المساجد لا أصل لها من كتاب ولا سنة ولا إجماع. فالأصل في أدائها البيوت كما قال عليه الصلاة والسلام: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم. لا تجعلوا بيوتكم قبوراً»، الإخوان وربيبتهم الصحوة يروجون الإشاعات بفتح المساجد لإثارة الفوضى وتجييش العواطف كعادتهم في الأزمات واستغلال الظروف دون النظر للعواقب إلا مصلحتهم. فاحذروهم. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمانه للمملكة وشعبها والمقيمين على أرضها وكل رمضان والجميع بخير. * كاتب سعودي [email protected]