في البدء أحبُّ أن أُورد في هذا المقال رداً على أولئك الذين يظنون أن الإطالة في الصلاة- المفروضة أوالنافلة- ولاسيما إذا أُديتْ جماعةً وختم القرآن من السنة النبوية. وهذا الفهم -لعمري- مُجانبٌ للصواب ومخالفٌ لما صح من السنة النبوية المطهرة. وسوف أوجز ردي في النقاط التالية: 1: التطويل غير المستساغ في صلاة الفرض والنافلة جماعةً ومنها التراويح مخالفٌ لما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: "أيكم أمّ الناس فليخفف" وقال أنس رضي الله عنه : "كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام" وعن ابن مسعود قال: كان النبي إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف "وهي الحجارة المحماة" وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تُبغّضوا الله إلى عباده. يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه". وروى الجماعة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولافي غيره على إحدى عشرة ركعة. 2: البعض يستشهد بآية من سورة المزمل "… إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك.. الآية) على صحة الإطالة في صلاة التراويح وقيام الليل جماعةً لتمتد من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر بدقائق! وظن أولئك أنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل واستشهدوا بالآية هكذا دون الرجوع للتفاسير المعتبرة والرجوع للسنة النبوية الصحيحة فهي تُفسّر القرآن وتوضّحه وكأنهم -بفعلهم هذا- حاطبو ليل! ولم يعلم هؤلاء أن هذه الآية تتحدث عن أن صلاة الليل جماعةً قد نُسختْ . قال الإمام أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن روى زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال قلتُ لعائشة: أنبئيني عن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: أما تقرأ "يا أيّها المزمل".. قلتُ بلى قالت " فإن الله افترض في أول هذه السورة فقام النبي وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في آخر السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة" وقال ابن عباس :" لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحو قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين نزولها وآخرها نحو سنة" 627 المجلد 3 وذكر ابن كثير في تفسيره المجلد الرابع ص 384 : قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من السلف إن هذه الآية " فاقرؤوا ما تيسر منه نَسختْ الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولا من قيام الليل". وروى الجماعة إلا الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى النبي في المسجد فصلى بصلاته ناس كثير ثم صلى من القابلة فكثروا ثم اجتمعوا من الليلة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال: قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان وبهذا يسقط استشهادهم بهذه الآية في هذا المقام ! وقد ذكر الشيخ السيد سابق في كتابه الرائد " فقه السنة" في مجلده 1 ص 195 أن قيام رمضان يجوز أن يُصلى في جماعة كما يجوز أن يُصلى على انفراد. وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع المسلمين خلف إمام واحد وقال " نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" ويقصد أن الذين ينامون أول الليل ويقومون آخره أفضل من الذين يصلون أول الليل وينامون آخره ..وفي هذا ردٌ على أولئك الذين يرون مشروعية الصلاة التي تمتد من بعد العشاء إلى قبيل الفجر، فقد كان المسلمون ينامون جزءاً من الليل في رمضان ويصلون في الجزء الآخر، أما أن يصلون طوال الليل جماعةً إلى قبيل أذان الفجر بدقائق إلى درجة إهمال سنة السحور فهذا أمر حادث في الدين وجديد لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام! ثم إن هذا يتنافى مع أداء المسلم لواجباته الأسرية وصلة أرحامه، فإذا كان يصلي الليل كاملا فلابد أن ينام إلى الظهر..!! وكما هو معلوم أن لا رهبانية في الإسلام وذكر أن ابن قدامة قال إن الإمام أحمد قال "يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم ولاسيما في الليالي القصار"، هذا إمام الحنابلة يقول ذلك رضي الله عنه 3:لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام أنهم كانوا يختمون القرآن عدة ختمات في صلاة التراويح أو في قيام الليل أو في الفريضة! ولم نعهد أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علياً أو أحداً من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم خرج علينا يفاخر بأنه ختم القرآن عدة ختمات في صلاته. وحقيقة لم نعرف ذلك إلا في العصور المتأخرة حتى القول بجواز ختم القرآن في ثلاث ليال لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ولا نريد أن يقول لنا أحدهم قال فلان أو قال علان، إننا نريد قال الله وقال رسوله وكما ورد عن مالك رضي الله عنه وهو يدّرس تلاميذه في المسجد النبوي:"كلٌ يؤخذ منه ويُرد ما عدا صاحب هذا القبر" عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد رّغب بعض السلف في ختم القرآن ختمة واحدة طوال شهر رمضان وإن لم يؤثر ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومما يْثير العجب أن هنالك أناسا يهتمون اهتماما كبيرا بختم القرآن، ولذلك يُطيلون في الصلاة ويهملون في السحور وهو سنة مؤكدة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.