جولات ورقابة وزير التجارة على الأسواق وبيان النيابة العامة حول الأسعار واستغلال ظروف الوباء في رفع الأسعار والممارسات الاحتكارية والإخلال بالمنافسة المشروعة، ذكرتني بأيام حرب الخليج وتحرير الكويت التي نظراً لموقعها شرق البلاد تولى فرع وزارة التجارة بجدة أمر التموين والأمن الغذائي والاستهلاكي. والدي عضو الشورى والوكيل السابق لوزارة التجارة محمد حسين قاروب كان وقتها مديراً لفرع الوزارة بجدة، وفوضه وزير التجارة في حينه المرحوم الدكتور سليمان السليم في تأمين التموين والأمن الغذائي والاستهلاكي لفترة لا تقل عن ستة أشهر تشمل الاستهلاك المضاعف لموسمي رمضان والحج وتغطي سكان المملكة وضيوفها من أهل الكويت وقوات التحالف مع الاحتمال وغلق المطارات والموانئ. لم تكن إمكانيات فرع الوزارة البشرية والمكتبية قادرة على تنفيذ المهمة وحدها فكان التواصل مع أمين غرفة جدة الدكتور عبد الله دحلان الذي شكل فوراً لجنة للتنسيق بين الوزارة وقطاع الأعمال ترأسها مدير الإدارة التجارية ومدير إدارة اللجان وتم ضمي للجنة بحكم وظيفتي بالغرفة كمستشار لمجلس الإدارة واللجان التابعة له وسكرتير التحكيم وعضو باللجنة القانونية لضمان التواصل الدائم لأغراض التنسيق ومتابعة الأعمال والتوصيات. وكانت لقاءات الوالد يومياً مع أعضاء اللجان بالغرفة في أكثر من لجنة مثل الأدوية والتجارية والصناعية والبحرية وغيرها، ولقاءات مع التجار على مستوى مدينة جدة ومنطقة مكةالمكرمة والمنطقة الغربية وجميع مناطق المملكة. وتوافد رجال الأعمال والتجارة والصناعة من مختلف مناطق المملكة في إحساس وطني عال ليفصحوا عما لديهم في المحلات والمستودعات والمصانع وليبينوا ما هو مطلوب باعتمادات مستندية وما هو رهن الاستيراد أو التصنيع، حيث كان المطلوب الحفاظ على تواجد كافة البضائع في السوق السعودي في منافذ التوزيع والبيع والمخازن، والحفاظ على تواجد ما هو لازم للتصنيع. وكان شهبندر تجار جدة والمملكة العم إسماعيل أبوداود -رحمه الله- يدخل الاجتماعات ويقول للجميع اليوم يومكم والبلد بلدكم لا تقصروا معها فلم تقصر معكم، وكانت هناك اجتماعات لرؤساء الغرف والأمناء واللجان الوطنية وكلها لدعم وتأمين التموين وتحقيق الأمن الغذائي ومراقبة الأسعار لضمان عدم الاستغلال. ملحمة وطنية قادها رجال مخلصون من رجال الدولة ومعهم غرفة جدة التي كانت لها القيادة والريادة لمجتمع الأعمال فقد تحقق لها التناغم النادر بين الأمين العام ورجال مجلس الإدارة فكانوا على قلب رجل واحد فمعظمهم شارك في الاجتماعات كل في ما يخص مجال عمله وخاصة تجار المواد الغذائية. ملحمة وطنية نفذها والدي ومعه في الاجتماعات والجولات الميدانية والرقابية رفيق دربه وسكرتير أعماله عبد الرحمن ولي وجميع موظفي الوزارة صغيرهم وكبيرهم، وكان الوالد ينام في معظم الأيام بالوزارة ويقوم بالتفتيش على الأسواق بعد صلاة الفجر ووالدتي تقوم بالطبخ وإرسال الطعام بشكل شبه يومي لعشرين شخصا؛ للوالد والمناوبين معه من رجال الفرع وحراس الأمن ومنهم العم سالم الزهراني. أذكر هذه الوقائع لأني عشتها وأشهد عليها وأحزن اليوم على غياب دور الغرف لأنه بالتأكيد هناك شيء مفقود، وهو الذي أدى إلى الحاجة إلى تلك البيانات من النيابة العامة والجولات الميدانية والمراقبة والعقوبات من وزارة التجارة. حمى الله مملكتنا الحبيبة وشعبها الوفي والبشرية جمعاء من كل داء إنه سبحانه بالإجابة قدير. * كاتب سعودي majedgaroub@