جاء القرار السعودي الوقائي الجريء بتعليق دخول الراغبين في أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف بصفة مؤقتة، ضمن سلسلة إجراءات احترازية هدفها منع تفشي فيروس كورونا المستجد، فضلا عن كل جماح الفيروس ومنع تفشيه في المملكة حماية لمواطنيها والمقيمين على أراضيها، إلى جانب الحفاظ على صحة وسلامة المعتمرين والزائرين على السواء. وحظي القرار التاريخي الذي جاء في بيان لوزارة الخارجية أمس الأول (الأربعاء)، بعد دراسة معمقة وقراءة متانية لتفاقم الوباء، وفي إطار إجراءات وقائية استباقية لمنع وصول الفيروس إلى المملكة وانتشاره، بقبول ودعم من الدول والمنظمات الاسلامية العربية الذي اعتبرته انه جاء وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية التي بنيت على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، في أحكامها وتشريعاتها، وأوامرها ومنهياتها. والمملكة التي بذلت الغالي والرخيص خلال العقود الماضية لتسهيل مهمة الحجاج والمعتمرين والزائرين، لم تتردد في اتخاذ مثل هذا القرار الذي يعتبر من أجل مصلحة مواطنيها والزائرين وملايين المقيمين على أراضيها منذ عقود طويلة، كما أن منظمة الصحة العالمية التي أشادت بالإجراءات التي اتخذتها المملكة للتصدي لفيروس كورونا الجديد (19-COVID) ومنع انتشاره اعتبرت أن تلك الإجراءات ستمُكّن حكومة المملكة من تطبيق إجراءات مستدامة للوقاية من المرض ومكافحته وحماية الحشود أثناء الموسم المهم، كما اعتبر الأزهر أن موقف المملكة جائز ومشروع ومأجور، بل هو واجب شرعاً لحفظ النفس، الذي هو أحد مقاصد الشريعة الإسلامية الذي تدور حوله الأحكام الجزئية والفرعية حماية للناس وللمجتمعات. المملكة تعمل بصمت وهدوء، بعيدا عن الصخب، واهتمت بعمارة وتوسعة الحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بلا كلل، إذ بذلت الحكومة جهوداً جبارة لتوسعة الحرمين، مع ازدياد الحجاج المعتمرين والزائرين من أجل توفير الراحة والطمأنينة لضيوف البيت الحرام، وضمان تأديتهم لمناسكهم بيسر وسهولة، وصرفت المليارات لتوسعة الحرمين وإنشاء المشاريع في المشاعر المقدسة، حيث تسخّر منظومة الحكومية والأمنية جهودها لإنجاح موسم الحج بعيدا عن أي أعمال تؤدي إلى المساس بأمن الحجاج والمعتمرين والزوار والحفاظ على أرواحهم وسلامتهم من أمراض وبائية وإيجاد الأجواء الصحية الآمنة لهم، فيما تسعى لرفع الطاقة الاستيعابية لزوار بيت الله الحرام إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030، تماشياً مع أهداف رؤية 2030. ولقد قوبل قرار منع العمرة المؤقت في الداخل بترحيب ودعم، إذ أشاد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن السديس بالقرار، مؤكدا أن الجهات الصحية المختصة تابعت من كثب تطورات انتشار هذا الوباء الفتاك، وعملت احترازيا على تكثيف الجهود عبر المنافذ والموانئ والمطارات للأخذ بالأسباب، حتى لا ينتشر داخل المملكة. وتابع "إن الشريعة الإسلامية بنيت على تحقيق المصالح ودرء المفاسد في أحكامها، وهذا الإجراء المتخذ إنما هو لدرء المفاسد التي قد تحدث لا سمح الله حال دخول الفيروس إلى المملكة. كما عبرت عدد من الدول العربية عن تفهمها للقرار بتعليق الدخول إليها لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي مؤقتاً، في إطار استكمال الجهود لمنع انتشار فايروس كورونا الجديد؛ لتحقيق المصلحة العامة وضمان سلامة الجميع. وعلى المعتمرين وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتفهموا القرار باعتباره لمصلحتهم أولا وأخيراً، خصوصاً أنه قرار مؤقت، وستعود الأمور إلى طبيعتها عندما ينتهي الخطر وينحسر الوباء ويتم القضاء عليه بالكامل. ويأتي القرار السعودي فيما يواصل الفيروس انتشاره عبر العالم بوصوله إلى أمريكا اللاتينية، حيث سُجلت أول إصابة في البرازيل، مع استمرار التمدد في أوروبا وآسيا وأمريكا، ما يثير قلقا عالميا خصوصا مع انتشاره في نحو 40 دولة.