لم يكن عام 1989 كبقية الأعوام؛ وإن كان قد بدا عادياً في حياة كثير من شعوب العالم. ففي الولاياتالمتحدة، تم تنصيب جورج بوش (الأب) رئيساً. وفي اليابان عمّت الأحزان إثر إعلان وفاة الإمبراطور هيروهيتو. وفي ألاسكا، حدثت واقعة التسرب من الناقلة النفطية إيكسون فالديز. بيد أن عام 1989 يستحق بتعدد أحداثه المزلزلة في شتى أرجاء العالم أن يُفردَ له فصلٌ خاصٌ في كتاب التاريخ. فقد شهد نهايةً ناجحة لثورات، وبدايةً أنجح لثورات انتهت بالقضاء على استئثار الشيوعية بالحكم، حتى في روسيا، معقلِ النظام الماركسي. وعلى الصعيد الاجتماعي، كان عام 1989 متفرداً بوقائعه المذهلة. وقد لا يدانيه في ذلك التعدد الحدثي سوى عام 1968، الذي شهد ثورة الشباب في فرنسا، وتفاقم معارك حرب فيتنام، واغتيال مارتن لوثر كنغ، والسيناتور روبرت كينيدي. وفيما بدأت العشرية الثالثة في القرن ال21، يجدر بالمتأمل الوقوف على أحداث 1989، التي لا يمكن القول إنها بدأت من فراغ، بل كانت لها جذورها، وتفاعلاتها، ونهاياتها المنطقية. والأكثر أهمية أن أحداث 1989 -وهي السنة الأخيرة في حقبة ثمانينات القرن العشرين- ألقت ظلالاً ثقيلة على السياسة العالمية على مدى سنوات أعقبتها. الثورات التي قضت على الشيوعية لم تكن ثورات بلدان أوروبا الشرقية في 1989 بداية نهاية سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في تلك الدول الخاضعة لنفوذ الاتحاد السوفيتي السابق؛ بل كانت النهاية بذاتها. في بولندا، بعد عشر سنوات من تكوين منظمة «التضامن» العمالية، نجحت المنظمة بزعامة ليخ فاونسا في الإطاحة بديكتاتورية الحزب الشيوعي البولندي. في يونيو 1989، اضطرت الحكومة العسكرية الشيوعية التي أعلنت حال الطوارئ الى الانحناء لعاصفة الاحتجاجات، والتفاوض مع «التضامن»، والنقابات العمالية المستقلة، وأسفرت المفاوضات عن الاتفاق على إجراء أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ البلاد، وكان الحزب الشيوعي واثقاً من الفوز، بحكم استئثاره بالحكم على مدى أربعة عقود. وكانت المفاجأة أن حركة «التضامن» العمالية فازت بجميع مقاعد البرلمان. في هنغاريا (المجر)، توّج المناضلون ضد استئثار الشيوعيين بالسلطة أكثر من أربعة عقود، تحت وصاية موسكو، كفاحهم بإطاحة حكومة الحزب الشيوعي الهنغاري... بعد معارك كر وفر استغرقت نحو 10 شهور. لم يكن الاتحاد السوفيتي قادراً هذه المرة على التدخل، مثلما حدث حين زج بدباباته في العاصمة الهنغارية بودابست في 1956، وفي العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ في عام 1968. فقد كان هو نفسه في النزع الأخير. في ألمانيا الشرقية، على رغم جبروت جهاز الأمن السري، نجح الثوار في هدم جدار برلين، والعبور إلى برلين الغربية، بعد نضال استغرق نحو 10 أسابيع. وهو ما أدى في العام التالي إلى توحيد شطري ألمانيا الغربي والشرقي. في تشيكوسلوفاكيا (السابقة)، نجحت «الثورة المخملية» خلال 10 أيام فقط في إقصاء النظام الشيوعي. وبعد نجاحها، تم تعيين الروائي والمسرحي فاتسلاف هافيل رئيساً للبلاد، فيما عاد من منفاه قائد «ربيع براغ» في 1968 الإكسندر دوبشيك. في رومانيا، أطاحت الثورة بنظام الرئيس الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو الذي تم القبض عليه وإعدامه وزوجته رمياً بالرصاص. ولم تكن الصين بمنأى عن هبوب رياح تلك الثورات المناهضة للشيوعية، فقد عمتها حركة احتجاجات نادرة، ولجأت حكومة الحزب الشيوعي الصيني إلى قمعها بالدبابات، في ما عرف بحادثة ميدان «تيان آن من»، التي حدثت خلالها الصورة المشهورة للمتظاهر الذي تحدى دبابة لقوات الأمن الصينية بالاستلقاء على الطريق أمامها. وبات ذلك الشخص يعرف ب«المتمرد المجهول». وعلى رغم أن تلك الصورة الشهيرة التقطت في 5 يونيو 1989؛ إلا أن ذلك الشخص لا يعرفه أحد حتى اليوم، ولا ما حدث لطاقم الدبابة. وفي حين أضحت صورة الرجل والدبابة رمزاً للثورة في أنحاء العالم، فهي في الصين تعرف فقط ب«الحادثة»! وطبقاً لمحرر مجلة «تايم» ستيوارت فرانكلين، الذي حضر التقاط مصور المجلة تلك الصورة، فإن الرجل كان يرتدي قميصاً أبيض، وبنطالاً أزرق. وكان يحمل كيسي تسوق. وأضاف فرانكلين أن قائد الدبابة أطفأ محركها بعدما عجز عن سبيل لتجاوز المحتج. فاغتنم المتظاهر الفرصة ليصعد الدبابة، ويتحدث إلى طاقمها، ثم نزل. واعتبرت «تايم» الصورة أهم صورة خلال القرن ال20. وترددت أقاويل كثيرة عن مصير المتمرد. فمن قائل إنه أُعدم بعد 14 يوماً. وهناك من زعموا أنه هرب إلى تايوان. واكتفت السلطات الأمنية الصينية بالقول إنها لم تتمكن من تحديد هويته! ومع أن الثورة لم تنجح في اقتلاع الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، إلا أنها عجلت بالإصلاحات التي بدأها الرئيس الراحل دينغ شياو بنغ، وشملت استيعاب الاقتصاد الرأسمالي، والانفتاح على الغرب. انهيار واضمحلال لم تكن تلك الأحداث المتلاحقة والمتشابهة مجرد وقائع منعزلة؛ بل كانت لها تأثيرات جذرية في العالم كله. فقد أدت بعد نحو عامين (1991) إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء «الحرب الباردة»، واضمحلال النظرية الماركسية التي كانت تحلم باكتساح العالم من أقصاه إلى أقصاه. ولم يعد هناك من يؤمن بدور الدولة في التدخل في الاقتصاد، والإنتاج، واحتكار السلطة. ما أدى إلى تقويض الحكم الشيوعي الذي ظل متحكماً نحو 70 عاما، منذ الإطاحة بقيصر روسيا، في 1917. وكان ذلك يعني تلقائياً نشوء نظام عالمي جديد، يهيمن عليه قطب وحيد، هو الولاياتالمتحدة. وهو النظام العالمي الذي لا يزال يستأثر بالغلبة خلال القرن الجديد. ووضعت ثورات عام 1989 حداً لما عُرف ب«الستار الحديدي»، الذي كان سمة الأنظمة التي حكمت أوروبا الشرقية تحت قبضة الحزب الشيوعي السوفيتي. وللمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشهد أوروبا الشرقية والغربية تغييرات جذرية بهذا العمق. فقد عادت ألمانيا إلى الوحدة بين شطريها الغربي والشرقي. وبدأت شعوب أوروبا الشرقية تعرف الحكم الديموقراطي، ما أتاح لبعضها في أوقات لاحقة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. نهاية التاريخ ! في تلك السنة المفعمة بالتطورات، ظهر مقال بعنوان «نهاية التاريخ»، للأكاديمي الأمريكي فرانسيس فوكوياما، نشرته مجلة «ناشيونال انترست». كتب فوكوياما في مقاله: «ربما كان ما نشهده ليس مجرد نهاية لفترة تاريخ ما بعد الحرب الباردة، وإنما نهاية التاريخ؛ أي النقطة النهائية للتطور الآيديولوجي للبشرية، وتعميم الديموقراطية الليبيرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية». وحظي مقال فوكوياما باهتمام كبير، ما حدا به إلى إصداره في كتاب يحمل العنوان نفسه. وقد أثار الكتاب، ولا يزال يثير قدراً من الجدل على نطاق واسع. وفي حين لا يمكن التسليم بمزاعم فوكوياما بشأن نشر الديموقراطية الليبيرالية الغربية، حتى في البلدان المنعتقة من ربقة الشيوعية؛ فلا مناص من الاعتراف بأن الاقتصاد الحر هو الذي يسيطر على العالم، في مواجهة النظام المركزي الذي رسخته الشيوعية. سنة غيّرت كل شيء في العالم سنوات عدة دخلت التاريخ، ففي 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية، وانبثق فجر نظام دولي جديد، تجلى في تأسيس منظمة الأممالمتحدة. ونتيجة لتلك الأحداث المتتابعة، انتحر الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، وأسقطت الولاياتالمتحدة القنبلة النووية على هيروشيما ونجازاكي في اليابان. وفي 1947، نالت الهند استقلالها عن بريطانيا. ووُضع دستور جديد لليابان، وتم إطلاق صندوق النقد الدولي، وبدأت الحرب الباردة. وفي هذه السنة تم صنع بندقية الكلاشنكوف. كما تم إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي ايه). كما اندلعت أول حرب بين الهند وباكستان، وبرزت للوجود مشكلة إقليم كشمير وجامو. وأنشئت هذا العام منظمة التجارة العالمية. وهناك من يرى أن العالم لم يشهد سنة مزلزلة غير 1789 التي شهدت اندلاع الثورة الفرنسية، التي غيرت نظرة شعوب العالم إلى الحكم، خصوصاً في القارة الأوروبية. وقد استمرت الثورة الفرنسية حتى عام 1799. وثمة من يرون أن سنة 1968 هي الأجدر بأن تكون أهم سنوات العالم المعاصر. فقد شهدت اندلاع الثورات الطلابية، التي انتهت بتنحي الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول، وشهدت هجوماً عسكرياً فيتنامياً على القوات الأمريكية في 36 مدينة في فيتنام الشمالية. وشهدت سنة 1968 اغتيال القس مارتن لوثر كينغ، وروبرت كينيدي في لوس أنجليس. وفي 5 سبتمبر 1968، أطلقت بوينغ أكبر طائرة ركاب نفاثة تتسع ل374 راكباً، وهي طراز 747. وفي 24 ديسمبر أضحت أبوللو 8 أول سفينة فضائية مأهولة تدور حول القمر. غير أن غالبية المؤرخين يجمعون على أن 1989 هي السنة الفائزة بذلك الرهان، لكثرة وجسامة حوادثها، خصوصاً على الصعيد السياسي. فقد غيرت كل شيء في العالم؛ خصوصاً بوضعها نهاية للشيوعية في أوروبا، وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق. نايتندو.. وGPS... وظهور «الإنترنت» • شهد عام 1989 نشر رواية «آيات شيطانية» للكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي، وما نجم عنها من اضطرابات. • في 12 يونيو 1989 صوت البرلمان البريطاني (مجلس العموم) بغالبية 293 صوتاً ضد 69 معترضاً، على السماح للكاميرات بنقل الجلسات البرلمانية. • أُعلن منح جائزة نوبل للسلام للدالاي لاما. • تم إطلاق سيارتي «ليكزس» و«إنفينيتي» بمعرض السيارات الدولي لأمريكا الشمالية في ديترويت في 11 يناير. • في 13 مارس قدم تيم بيرنرز وثيقة مقترح أدى إلى إنشاء شبكة المعلومات العالمية (WWW). • شهد الثالث من مايو تشييد أول مطعم ماكدونالد للوجبات السريعة في روسيا. • في 4 يونيو 1989 تم إطلاق أول بث تلفزيوني عالي الجودة (HD) في اليابان. • في 31 يوليو أطلقت نايتندو لعبة Game Boy في الولاياتالمتحدة. • في 10 أغسطس أضحى الجنرال كولن باول أول أسود يتولى رئاسة هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية. • 29 ديسمبر: انتخاب الكاتب المسرحي الفيلسوف المنشق فاكلاف هافيل أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا بعد انتهاء الهيمنة الشيوعية. • شهد 1989 إطلاق أول قمر اصطناعي لتحديد المواقع GPS. • توفي هذا العام الفنان التشكيلي الإسباني المثير للجدل سيلفادور دالي (مواليد 1904). • وفاة الممثل البريطاني العالمي سير لورنس أوليفييه (مواليد 1907). 1989شهراً بشهر يناير: 7/1: وفاة الإمبراطور ال 124 لليابان هيروهيتو. 10/1: انسحاب القوات الكوبية من أنغولا. 20/1: جورج بوش الأب يؤدي اليمين رئيساً لأمريكا. فبراير: 2/2: انسحاب آخر فرقة سوفيتية من كابول بعد 6 سنوات من احتلال أفغانستان. 14/2: خميني إيران يصدر فتواه بإهدار دم الكاتب سلمان رشدي. 17/2: إعلان قيام اتحاد دول المغرب العربي. مارس: 26/3: أول انتخابات للبرلمان السوفيتي، خسائر كبيرة تحيق بالحزب الشيوعي. -أبريل: 5/4: الحكومة البولندية وحركة التضامن يتفقان على إجراء انتخابات حرة في 4 يونيو 1989. 15/4: حادثة التدافع في ملعب هيلبره بإنجلترا. مقتل 96 من مشجعي ليفربول. مايو: 14/5: فوز كارلوس منعم برئاسة الأرجنتين. 20/5: الصين تعلن الأحكام العرفية بسبب الاحتجاجات. يونيو: 4/6: حسم مظاهرات ميدان تيان آن من. 30/6: انقلاب عسكري تنفذه جماعة الإخوان المسلمين في السودان بقيادة حسن الترابي وعمر البشير. يوليو: 5/7: رئيس جنوب أفريقيا بي دبليو بوثا يلتقي سجينه نيلسون مانديلا للمرة الأولى. سبتمبر: 20/9: إف دبليو دي كليرك يؤدي القسم ليكون آخر رئيس لدولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أكتوبر: 5/10: الدالاي لاما يتسلم جائزة نوبل للسلام. 7/10: الحزب الشيوعي الهنغاري يصوت لصالح إعادة تنظيمه، وتغيير اسمه. 7/10: مظاهرة ضخمة في ألمانيا الشرقية ضد الحزب الشيوعي الحاكم. 17/10: زلزال قوي يضرب سان فرانسيسكو بقوة 6.9 درجة على مقياس ريختر، ويوقع 63 قتيلاً. 18/10: البرلمان الهنغاري يصوت لمصلحة إعادة العمل بالتعددية الحزبية. نوفمبر: 9/11: ألمانيا الشرقية تعلن قوانين جديدة للسفر الى ألمانيا الغربية، وتفتح بوابات جدار برلين. 12/11: أول انتخابات رئاسية في البرازيل منذ عام 1960. 17/11: مظاهرة ضخمة في العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ تشعل شرارة «الثورة المخملية». ديسمبر: 1/12: برلمان ألمانيا الشرقية يسحب احتكار الحزب الشيوعي للسلطة، ورئيس الوزراء يستقيل بعد يومين. 7/12: ليتوانيا تصبح أول جمهورية سوفيتية تلغي استئثار الحزب الشيوعي بالحكم. 7/12: أحداث شغب في تيميشوارا تطلق شرارة الثورة في رومانيا. 21/12: الولاياتالمتحدة تغزو بنما. 23/12: الثورة الرومانية تقبض على شاوشيسكو وزوجته وتعدمهما. • 29/12: انتخاب الكاتب المسرحي فاكلاف هافيل أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا بعد الهيمنة الشيوعية.