لقد آمنتُ بأن الابتزاز أسوأ من السرقة، ابتزاز الآخر عن طريق تسويق الوهم كحقيقة، والواقع وتحدياته مُجرد وهم.. بهكذا خطاب تُسرق أحلام الشعوب وأمانيها، ويتحولون إلى أُناس ينتظرون حصول مُعجزة أو قُدوم أسطورة ليُحقق لهم المُستحيل.. يوماً ما كتب معالي السفير تركي الدخيل: «توقفوا عن الابتزاز فهو أحياناً أسوأ من السرقة»، موجهاً تلك الكلمات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب خطاباته الشعبوية غير الواقعية والتي يسعى من خلالها لاستغلال مشاعر وعواطف الناس وكسب ودّهم عن طريق بيعهم الوهم.. وفي كل مرّة تقف شعوب المنطقة أمام قرار مصيري ومُنحنى خطير من خلاله سيتشكل واقع جديد في المنطقة من جميع النواحي سواء كانت اجتماعية أو جغرافية أو سياسية، نجد الكثير من أشباه أردوغان يتخذون ذات النهج الشعبوي في ابتزاز مشاعر الناس. صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وخلاصتها منح الإسرائيليين كل شيء وبلا ثمن، وتمكين إسرائيل من كل شيء، أصبحت مادة دسمة للذين اعتادوا ابتزاز البُسطاء.. ما إن تم الإعلان عن الصفقة إلا وظهر أردوغان يزبد ويرعد، مُهدداً ومتوعداً، ومُذكراً الجميع بأنه لن يسمح وبلا بلا بلا.. قالها في الموصل قبل أن يجتاحها تتار المالكي والدواعش، وأن له هناك أهلاً وأحباباً، وفي حلب حذّر وأكّد أنها خط أحمر قبل أن تُباد عوائل بأكملها بسبب براميل بشّار وزبانيته، واليوم يتحدث عن فلسطين والقُدس. ودائماً.. كُل مرّة يتحدث فيها عن قضية، تزداد خسائر أهلها رغم عدالة قضيتهم! القضية الفلسطينية ليست وليدة اللحظة، فلسطين هي القُدس، نقطة التقاء الأديان السماوية الثلاثة، حروب صليبية لم تهدأ، وحروب استرداد خلّد التاريخ بطولات قادتها، مذابح وتسامح في بُقعة جغرافية صغيرة، تاريخ كبير لأرض احتضنت قبور غُزاتها ومُحرريها.. نحنُ أبناء اليوم، وما نواجهه اليوم واقع، وللواقع حقائق يجب أن نتعامل معها، لا أحد يملك حل القضية الفلسطينية بقوة السلاح، الفلسطينيون مُشتتون بين الأحزاب، والأحزاب أصبحت تُبرر ولاءها لدُول لها أطماع تخريبية كحالة «حماس» مع ملالي طهران.. سياسياً صفقة القرن رفضتها السعودية، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. السعودية ما زالت ترى أساس السلام هو العودة لحدود 1967 والقدسالشرقية عاصمة لفلسطين، لم يتغيّر مبدؤها.. لكن للأسف هناك هستيريا شعبية تصوّر السعودية وكأنها داعمة لصفقة القرن، للتطبيع، ولبيع القدس! يقود الحملة إعلام تركي وقطري.. شعوب بائسة أصبحت تابعة لمن يبتزها.. تجارة الابتزاز أصبحت هي الرائجة في المنطقة. يجب أن تعود هذه الشعوب لرُشدها وتعرف أن من يبيعهم الوهم لم يقطع علاقته مع إسرائيل، لم يُقاتل من أجل تحرير القدس، وليس من ضمن الداعمين الأبرز للشعب الفلسطيني.. أخيراً.. السعودية رفضت وبوضوح صفقة القرن، وشعوب المنطقة يجب أن تعرف أن ابتزاز مشاعرهم لن يُحرر أرضاً، وأن ولاءاتهم الخارجية ستُؤخر تحررهم من هذا البؤس.. * كاتب سعودي [email protected]