من أهم عناصر قوة إسرائيل هو نظامها السياسي الحالي، الذي يقوم على عدة وثائق، تشكل معاً ما يمكن اعتباره دستور إسرائيل، الذي لم يكتب بعد في وثيقة واحدة، لأسباب استعمارية وتوسعية واضحة. وإسرائيل تكون، بذلك، إحدى دول العالم التي لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة، والتي يوجد دستورها في عدة وثائق. وقد أقام الصهاينة نظاما «ديمقراطيا – برلمانيا»، بوجود برلمان (الكنيست) يحتوي على 120 مقعدا، يمتلك التشريع. وتنبثق منه السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) ووجود «رئيس» جمهورية رمزي، يسود ولا يحكم، مع وجود سلطة قضائية عليا مستقلة. ولا بد أن نعيد هنا تذكير القارئ بأهم «عناصر» قوة إسرائيل، كما سبق ووضحنا. فبصفة عامة، يرد سبب قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل في المنطقة العربية لعدة عوامل رئيسة، أهمها (بالترتيب التنازلي للأهمية): - المخطط الصهيوني العالمي النشط لإقامة، ودعم، هذا الكيان وتقويته. - الرغبة الاستعمارية (الغربية) في قيام ونمو وتوسع إسرائيل. - تمزق الأمة العربية وضعفها وتخبطها في مواجهة المخططين الصهيوني والاستعماري تجاه المنطقة العربية. غير أن تكوين إسرائيل من قوميات وعرقيات شتى، لا تجمع في ما بينها أهم عناصر الانصهار «الوطني» المعروفة، يهدد باحتمال تصدع هذا الكيان، ودخوله في اضطرابات وصراعات «أهلية».. قد لا تنتهي إلا بانهيار «الدولة»، أو تقسيمها. ويتجسد هذا الانقسام الداخلي الصهيوني الخطير في البرلمان الإسرائيلي، وفي الأحزاب السياسية المتعددة والمتنافرة، لدرجات تتعدى كثيرا الاختلاف السياسي، والبرامجي والفكري. **** وكما هو معروف، تمر إسرائيل الآن (مطلع العام 2020م) بأزمة وزارية خانقة. فلأول مرة في تاريخها السياسي تضطر لإجراء الانتخابات التشريعية ثلاث مرات متتالية، خلال ما يقارب السنة. فيوم 9/أبريل/2019م، أقيمت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية (للكنيست رقم 21) قبل موعدها الأصلي بسبعة أشهر. خاضت الانتخابات (المبكرة) 40 قائمة حزبية. وأسفرت النتيجة عن عدم فوز أي حزب بالأغلبية المطلوبة (61 مقعدا، من 120 مقعدا). فاز حزب الليكود، برئاسة نتنياهو ب35 مقعدا، بينما فاز تكتل أبيض/ أزرق، برئاسة بيني غانتس ويائير لبيد، ب35 مقعدا أيضا. وتوزعت بقية المقاعد (50 مقعدا) بين أحزاب أخرى... منها حزب «إسرائيل بيتنا» (5 مقاعد)، العمل (6 مقاعد)، شاس (8 مقاعد). ولعدم تمكن أي حزب من تشكيل حكومة ائتلافية، تقرر حل الكنيست رقم 21، وإعادة الانتخابات، لعلها تسفر عن نتيجة حاسمة. وبالفعل، تم عقد الانتخابات المبكرة المعادة الثانية يوم 17سبتمبر2019م، وأسفرت عن حصول تكتل أبيض/أزرق على 33 مقعدا، وحصول الليكود على 32 مقعدا. وبعد مفاوضات مكثفة في ما بين الأحزاب الفائزة، فشل كل من الحزبين الأكبر في إقامة حكومة ائتلافية... منهما، أو من أحدهما وغيره من الأحزاب الأصغر. لذا، تقرر «إعادة» الانتخابات التشريعية مرة أخرى. وبالفعل، تقرر عقد هذه الانتخابات (للمرة الثالثة) في شهر مارس 2020م القادم. ويتوقع أن تسفر عن نتائج مشابهة لنتائج انتخابات سبتمبر 2019م. ومن المؤكد أن يتصدرها كل من تحالف أبيض/أزرق، وتكتل الليكود. وإن صحت هذه التوقعات ستستمر الأزمة الانتخابية الخانقة... التي لم تفلح ثلاثة انتخابات تشريعية مكررة متتالية في حلها. وغالبا سوف تتم إقامة حكومة ائتلافية (مؤقتة)، إما من التكتلين الأكبر (ليكود + أزرق/أبيض) أو من أحدهما... مشاركا مع أحزاب صغيرة. ومن غير المحتمل إعادة الانتخابات التشريعية هذه للمرة الرابعة (في غضون عام) خشية تكرر نفس النتيجة. **** لن تضعف الأزمة الانتخابية إسرائيل. ما قد يضعفها هو عدم الانصهار «الوطني» بها، لدرجة معقولة، سواء تجلى ذلك في تنافر الأحزاب السياسية، أو في التنافر الشعبي. ولكن، أكثر ما يضعفها هو: ضعف، أو تلاشي، العوامل الثلاثة الأهم، التي كانت -وما زالت- وراء قيامها ونموها، والمذكورة أعلاه. ومن الطبيعي والضروري أن تسعى أي دولة لتقوية ذاتها، ولاكتساب القوة، بكل الطرق الممكنة. ولكن سعي إسرائيل المحموم للهيمنة الإقليمية (وربما العالمية) وازدياد قوتها، وبما لا يتناسب وحجمها، قد يعود على «شعبها» بالوبال، نتيجة غطرسة قادتها، واستهانتهم بالقانون الدولي، وجنوحهم للحروب والاحتلال. * كاتب سعودي [email protected]