أبدى قضاة تنفيذ ورؤساء محاكم تنفيذ سابقين تصوراتهم القانونية في الصورة القادمة التي ستكون عليها آلية العمل في نظام التنفيذ عقب إلغاء إيقاف الخدمات، وتوقعوا عبر «عكاظ» البدء في إطلاق سراح سجناء وسجينات لاستفادتهم من التعديلات. فرصة ثمينة طبقا للشيخ ياسر البلوي (قاضي تنفيذ ورئيس محكمة تنفيذ سابق)، فإن التعديلات مستحقة ومنبثقة من روح الشريعة، وكانت تطبق من قضاة التنفيذ -في الجملة- لم تكن قاعدة عامة وبالنص عليها تصبح قاعدة، وأمام المنفذ ضده الآن فرصة ثمينة لتجاوز أزمة الديون إن كان جادا في هذه المُهل والفرص المشجعة. وأضاف أن مواد الإعسار الاحتيالي خرجت من التعديلات، ما يلجم من يسيء استخدام نظام التنفيذ والديون، فمثلا المادة 90 بينت «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة كل مدين ثبت أن سبب مديونيته قيامه بعمل احتيالي، أو قيامه بتبديد أمواله إذا كانت الأموال كثيرة ولو ثبت إعساره في الحالتين»، خصوصا أن اتساع عدد الموقوفين على قضايا مالية لم يكن سببه مقتصرا على المدين نفسه بل ساهمت فيه أسباب كثيرة منها الدائن والأزمات الاقتصادية وعدم الرقابة على سوق التمويل وفوائده الفاحشة وقضايا التستر والعمل تحت شركات ومؤسسات الغير من الباطن، وهذا الأمر فيه تنبيه إلى أن جاذبية الفوائد الكبيرة تحتوي أيضا على مخاطر كبيرة قد يضيع معها جهد السنين وحصيلة العمر عند وضع المال بيد من لا يفي بذلك، والتحذير من التوسع في الإقراض على الأصول، وليس بعيدا أزمات الرهن العقاري التي عصفت باقتصاديات دول. القطاعات.. وإيقاف الخدمات الشيخ البلوي يرى أن وزارة العدل علقت الجرس في إنهاء تعميم وقف الخدمات الحكومية بالكلية واقتصرتها على الخدمات المالية، وبالتالي من الضروري أن تحذو حذوها كثير من الجهات الحكومية التي تستخدم سلاح وقف الخدمات في ملاحقة عملائها. وما زالت نقطة مدد الحبس لمدعي الإعسار غير واضحة بالنسبة لي وتحتاج لصياغة أدق في التعديلات أو توضيحات مفسرة للمواد المعدلة، طبقا لفهمي للتعديلات، سواء كانت مدد حبس الاستظهار 6 أو 9 أشهر أو أكثر للمدين -جوازاً ووجوباً- أعتقد أنها كافية لتنتقل بعدها المحكمة لسؤال الدائن: هل يعلم للمدين أموال ظاهرة أو خفية يمكن التنفيذ عليها؟ فإن لم يعلم أثبت القاضي الإعسار وأفهمه بأنه له التقدم عند وجود أموال يمكن التنفيذ عليها. وجهان للتعديلات.. ثمراتها أكثر عبدالله بن محسن الصاعدي (قاضٍ سابق) يرى أن التعديلات الصادرة على نظام التنفيذ لها آثار عدة منها ما هو إيجابي ومنها السلبي، وتتلخص في الآثار العامة، فمن الإيجابيات مواكبة ما استجد من الأنظمة الصادرة حديثا، خصوصا فيما يتعلق بنظام الإفلاس، وبها تكون الموازنة فيما جاء في تنظيم أعمال التجار ومحاولة إعادة النشاط مع مراعاة حقوق الدائنين وتطبيق عقوبات نظام التنفيذ بحقهم، كما أن فيها محافظة على الأسرة من التشتت والضياع بحبس وتقييد معيليها. أما الآثار المترتبة على طالب التنفيذ باعتباره صاحب حق تكفل الشارع بحفظ حقه ولا تثريب عليه في المطالبة بمعاقبة المدين إذا كان غنيا، وفي تأخير حبس خصمه المماطل الغني وعدم منعه من السفر فيه تفويت لحقه وربما ضياعه بسبب سفر المنفذ ضده، والغني الواجد كما هو مقرر شرعا يحل عرضه وعقوبته والمدين المليء الذي تعرف له أموال ظاهرة وقريبة يجب التشديد عليه فورا ومنع حريته إذا ثبت عليه الحق وماطل في سداده، لأن كثيرا من الناس إذا علم بقرب حلول السند أو صدور حكم ضده يبدأ في تبديد أمواله وتحويلها لأفراد عائلته أو جعلها من الديون الممتازة لشخص يرتبط معه بعمل تجاري، كل ذلك هروبا من السداد. أما الآثار المترتبة على المنفذ ضده، طبقا للشيخ الصاعدي، فإن المدين الصادق في أداء أموال الناس يعينه الله في سدادها، وما جاء من تعديلات في تنظيم حبسه وإيقاف خدمات معينة له في التكسب والعمل في سداد دينه ولا تتأثر أسرته بتعطله وتعطل معاملاته في الدوائر الحكومية في أمور يحتاجها ولا علاقة لها بالمال أو دينه. الكفة مالت لصالح المنفذ ضده! الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشبرمي (قاضي التنفيذ السابق في مكةالمكرمة) يقول إن اللوائح التنفيذية لنظام التنفيذ -قبل التعديل- كانت تغلّب مصلحة طالب التنفيذ على حساب ظروف المنفذ ضده باعتبار أن لصاحب الحق مقالاً، وأن الغالب هو انشغال ذمة المنفذ ضده بالحق الذي لا يمكن أن ينتزع منه إلا بقوة النظام وسلطة القضاء، وحفاظا على الحقوق الخاصة من تخوض الغير فيها والاستتار بالمماطلة والتهرب ومراعاة لثقة الغير بالسوق فكان إيقاف الخدمات ومنع تعامل الجهات الحكومية هو الإجراء الموجع للمماطلين والممتنعين والغارمين لحقوق تبين أنها أكبر من ظروفهم وخارجة عن سيطرة سدادهم، وتبين أن النتيجة سلبية للغاية، إذ امتلأت السجون فوق قدرتها الاستيعابية، وتضرر ذوو المدينين من أولاد وأهل ومن تحت كفالتهم من عمال بسبب إيقاف الخدمات، وفي الوقت نفسه، لم تعالج الديون بشكل كامل ومرضٍ، فكان الضرر جسيما وفادحا، ولما جاء التعديل الأخير بإلغاء إيقاف الخدمات، وقصر الحجز والإيقاف للتعاملات المالية وتقنين الحبس أشعر أن الكفة أصبحت لصالح المنفذ ضده على حساب أصحاب الحقوق، وثقة الغير بالسندات التنفيذية بشكل ينذر بتأخر رد الحقوق لأصحابها، ويفرغ روح نظام التنفيذ من أهدافه، ويجرئ على المماطلة بسبب عدم فعالية الحجز المالي وعدم انطباق تنظيمات الحبس التنفيذي على غالب المدينين، وبالتالي فلا وازع مؤثرا وفعالا من القانون يجبر المدين على الوفاء، الأمر الذي سيجعل الألم والصراخ الذي أزعج الجهات المسؤولة مستمرا مع اختلاف جهة الصوت، فبعد أن بحت حلوق المنفذ ضدهم سيستلم بوق الصراخ طلاب التنفيذ وأصحاب الحقوق، وهذا بلا شك لن يعالج مسألة ثقة الناس بالتعاملات البينية داخل السوق، فليس ثمة موجب مؤثر وفعال يجبر المماطلين والمتعثرين والمتأخرين على الوفاء بما تحتويه السندات التنفيذية إلا في حدود ضيقة ووقائع محدودة. عصف ذهني لعلاج التقاطعات يرى عبدالعزيز الشبرمي الحل الوسط في فرز إيقاف الخدمات بين الضروري منها وما يلحق الضرر على التابعين وما هو لمصلحة الدولة وما هو لمصلحة الفرد، كما يفرق بين الممتنعين في الحقوق، فالممتنع عن تنفيذ قضايا الأحوال الشخصية يجب ألا يتساهل معه أبدا، بخلاف المتأخر في تنفيذ المبالغ المالية، وألا يتوسع في تقنين الحبس التنفيذي وتأخيره وتضيق دائرته ليعفى ذو ال70 عاما بدلا من ال60، ويرتب الحبس بعد 60 يوما فقط بدلا من 180 يوما، وأن تعقد حلقات النقاش لعصف ذهني لحل هذه المعضلة التي ستغير بوصلة السوق السعودية وثقة الغير، فالحلول ليست مقتصرة على إيقاف خدمات خانق، أو حجز لتعاملات مالية بارد، ويجب أن يكون لسلطة القاضي التقديرية كبير الأثر، وقدح عال في المسألة، فهو الخبير بالحال، والمراقب للمآل. لا أثر للقرار في التبليغ تركي القرني (القاضي السابق بالمحكمة الجزائية في جدة) قال إن إلغاء إيقاف الخدمات الحكومية الإلكترونية اقتصر على الجانب المالي وراعى الظروف الأسرية، ولا أثر لهذا القرار على التبليغ بالمراجعة، كما أنه لا أثر لهذا القرار على منع السفر أو الحجز على الأموال والحسابات البنكية وفق النظام؛ إذ هي أوامر وجوبية. وأضاف أن التعديلات على أحكام الحبس كثيرة، وهي تحت نظر قاضي الدائرة، لكن الذي يهم موظفي الدوائر ألا يتم النظر في الحبس من قبل قاضي الدائرة إلا بناء على طلب من طالب التنفيذ، وتضمن التعديل على الحبس الوجوبي والجوازي ومنح المدين مهلا أعتقد أنها كافية لإنهاء وضعه أو المبادرة لذلك.