أعتذر إليك، وأَخُطّهُ قَلَماً بين يديك، وأُجَدّدُ العَهْدَ القَديمَ عليك. صديقي الذي ربّاني، يا من أعليت قدري وشأني، وحَضّرْتني بين العالمين وركزت بينهم مكاني. يا صديق العُمْر والطفولة، يا من علمتني ووصفت لي الرجولة، وكنت المثال لذلك حتى الفحولة.. عِشْتَ عزيزاً وعَزّ من وَدّك، عِشْتَ كريماً وتكرّمْتَ حتى على مَنْ صَدّكَ ورَدّك.. تَعَلّمْتُ حِكْمَتَكْ، تَفَهّمْتُ قَسْوَتَك، حتى أصبحتُ كأني أنا أنت.. هذا أنا وكلي افتخار، وبوصفك أخوض العميق من البحار، وأقدّمُ لديك الاعتذار خلفه الاعتذار.. لا أوفيكَ قدراً، لا أجاريكَ عِطْراً، لا أدانيكَ سَطْراً، علمتني أن الصداقة وفاء، وعلمتني أن المحبة عطاء، وعلمتني أن الحياة سخاء، فكلما ضقتُ كنت لي الصفاء، أفتقدك دوماً حيث نَدَرَ الصديق، أفتقدك دوماً كلما مررتُ بضيق، أفتقد تنفسَ الهواء معك، أفتقد تواتر الأيام معك.. صوتك حنينك أَدْمُعك، الثباتُ حيلة، وأنت وضعتني فيها والنباتُ فسيلة، وأنت زرعت مبانيها والذكرياتُ طويلة، وأنت الشخص الحقيقي بها.. أنا أنت وأنت أنا، كُنّا وكنّا بفكرٍ هُنا، لم أكن أعْرِفُ أني أخوكَ التوأم، لم أكن أعي أني بدونك أسقم، لم أكن أعلم أن الهواءَ كعلقم.. يا أبي، يا حنيني ومطلبي، يا سكوني وهدوئي واهتياجي ومركبي.. أعتذرُ إليك، نعم أعتذرُ إليك، وأنت في العالم الآخر.. فسامحني.. يا أعز صديق..