كنت أشعر حين تضمّه أناملي بدفءٍ شفيف يسري في يدي، أدخل في إغفاءة لذيذة، وحين أصحو أجد ما كان يدور في خلدي منثوراً على الورقة حدائق زنبق فاتنة، ماذا كان يحدث في أثناء إغفاءتي يا ترى؟! يصيح هذا المرهف الأنيق جزءاً مني، يمتزج بي يمتد الشريان من قلبي عبر جسده النحيل إلى لسانه الرقيق، يتدفق دمي عبره إلى الورقة فيكتبني حتى إن كنت لا أشعر. إن هذا الوفي الذي قلت فيه ذات نبض في قصيدة (بشراك يا قلمي): لم يبق في كفي سوى قلمي فما .. جدوى اليراع وقد فقدتُ دواتي فحملتهُ ومضيت في درب الأسى .. ورأيت في قسماته قسماتي شاهدت نفسي في بريق دموعه .. في وجنتيه تلألأت مرآتي وكأنما قلمي أحسّ بلوعتي .. وتغلغلت في روحه مأساتي فمضى يشاطرني الهموم مكابراً .. ويمسِّح العبرات من وجناتي قد كادَ يقضي نحبه ظمأً ولم .. يشكُ المُصاب فقد تَقَمّص ذاتي فغرزت في وسط الوريد لسانهُ .. وسقيته بدمي ونبض حياتي لأَرُدَّ بعض جميله ولعلّهُ .. يتلو على سمع الهوى آهاتي قل أيها القلم الوفّي لِسَائلٍ .. عن سرّ هذا الحزن في أبياتي قل إنّ شِعري نَزف قلبٍ موجعٍ .. رقصت على أنغامه أنّاتي واكتب جميع قصائدي بدمي فقد.. تشجي مُحبَّ قصائدي نبضاتي إني قضيت مع الأسى عمري فما .. لانت لَهُ طول الحياة قناتي كانت سِجَالاً حربنا فهزمته .. ورفعت فوق حصونه راياتي *** هو ذاته الذي أمسى وحيداً في زاوية مكتبي يلفّه صمت رهيب، وحزن قاتل بعد أن استبدلته بلوحة المفاتيح وأصبحت أكتب من شاشة جوالي وعليها كل ما يدور في بالي وفي أي مكان أو زمان. نظرت إليه بوجع كبير.. مددت يدي إليه رفعته إلى مستوى عيني، ذرف باسمهما دمعتين، مسحت من وجنتي دمعتيه، وقلت: بأي وجهٍ فدتك الروح أعتذرُ .. وقد أتيتُ بذنْبٍ ليس يُغتفرُ