أيتها الأنثى الحزينة، كنت من تشائين.. عاشقة، عابدة. فلتقرئي هذا الكلام. ولتمسكي علي حبا تكنينه، أو بغضا تضمرينه.. فأنا الآن رافع بياض رايتي أمامك، فقد علمت أن أحوال الدهر في تقلب، وقد أصابك منها ما أصاب. وبعد، أعلم أنك تقرئين هذه الرسالة وأنت مهمومة مغمومة مكدومةُ الروح ترين السماء سحابُها الأبيض غياما، وترينَ البحارَ أمواجها هيجاء. هل أضرّ بقلبكِ سوء جعله يدمي حزنا وألمًا؟! فصرت لا ترين مخلصا ولا منجى إلا البكاءَ والنحيب؟! ما عهدتك هكذا. ولا أنا أرضى لك هذا. إن قلبك سراج يضيء، لا مكان فيه لرزية من الأرزاء، ولا بلية من البلايا.. هل تعلمين لماذا؟ لأن قلبك خُلق ليحب، خلق ليتنفس العشق والهوى، خُلق ليصرخ مدويا أنّه لا حدود للفرح. فالدماء التي تُضَخّ فيه هي أنهار من حنان، تسري في أوردتك سريان الرعشة أثناء اللقاء. هذا المكان مخصص للحب فقط، فلم تلوثيه بجير الكآبة والضّيمِ؟! قلب الأنثى بعاطفته، لا يحتمل الأذى والعذاب.. لا سامح الله مُسبّبا لحزنك، ولا غفر له حين آذاك. ولا أدعو تشفيّا فيه ولا استعطافا منك أيتها السيدة.. وإنما لأني رجل ولدته امرأة، ربته امرأة وأنقذته من غياهبه امرأة. وعدت نفسي وقطعت عهدا لا أخونه؛ أن أحمل مشعل الدفاع عن المرأة، بدون جمعيات ولا نقابات، بدون أحزاب ولا اجتماعات، أدافع عنك أيتها الأنثى بقلمي!! وأمسح الدمع عن خدودك بورقي، أستشفه كالمداد القاتل، وأكتب للعالم كله أنْ: "لا تحزني!!" إذا حزنت فما بقي لنا أن نفرح، وإذا غضبت فكيف لنا أن نضحك، فدونك الأشياء ناقصة. عذبك حبٌّ كنت تحسبين أنه دائمٌ؟! وظننتِ حين الفراقِ أنه لا حظ لك من السعادةِ إلا اسمها؟! فلتضحكي ولتعلني لهُ أن قلبك لا يحوِي مكانا واحدًا.. ذلك المكان المقدس داخل صدرك، تحتويه جنباتك، يتسع للمحبة الأبدية التي لا تختزل في شخص لم يعرف معناك. بل.. هناك من سيبذل الكثير في سبيلك.. فاضحكي. قد علمتُ يا سيدتي أن الحزن قد بلغ فيك مبلغا، حتى حسبتِ أنك والحزنُ توأمُ.. لا وألف لا! بل أنت وهو أعداء.. اقضي عليه بأن تعلني له أن تلك الرابطة ستتهدم، وتلك الفجوة ستملأ، سيملؤها الحب الذي ما إن يتواجد حتى يطير صوابك فرحا، ويملأ صوتك الأرجاء مغنيا. أنت يا سيدتي جميلةُ الجميلات، دعي ذلك الذي يقول عنك قبيحة، فإنه يراكِ بعينِه التي صنعتها له نيته، فيخبرك أنك جميلة حتى إذا لم يستطع النيل منك استقبحك. قبحه الله من ثعلب! لا تبالي بمن يقول عنك ناقصة عقل ودينٍ، فرسولكِ ما قالها إلا رفعة فيك ومحبةً، ولو تحدث لسان المفسرين لقالوا فيكِ: "في نقصِ العقل والدين كمالُ". ارقصي داخل عقلك رقصة الحرية التي يجهلها المتحررون.. وأريهم أن الحرّية الحقيقية شيء، وحريتهم المزيفة شيء آخر. أطربيهم بنغم العلم الذي ألّفتِ ألحانه، فإن أرادوا صوتك فنّا تتغنى به أسماعهم.. فأهزجي لهم من دواتكِ أغنية القلم حبيبُ العلم. أيتها الأنثى! ابتسمي ابتسامتك المعهودة، تلك التي ارتسمت على محياك أول مرة حين قابل وجهك وجه آدمَ. فأنت بالابتسامة أجمل، وحين تخلو وجهك.. كأنك غابة قافرة جرداء ينالها العدم. انظري إلى ملامحك في المرآة، هل أصفكِ إليكِ؟! إني أرى عينين ليستا لإحدى النساء أبدا، مزورتين جميلتين، واسعتين كأنهما الغابُ في أجمته، هادئتين كأنهما البحر في صفائه. وذلك الفم الباسم الماثل أمام عينيك، أفلم تريه؟ هل يستحق العبوس والتجهم؟ بل إنه رسمة من رسمات خير المبدعين وأفضلهم. أعلم أنك تكرهين التجاعيد، لذا فلتضحكي، وإن أصاب مقالي مكانا في قلبك.. فاحذفي كلامي وضعي اسمي فيه تذكارا.