دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي إلى الفهم الصحيح لمفهوم القوامة لدى بعض النساء، فالقوامة ليست تسلطا وتعنتا وقهرا للمرأة وإلغاء شخصيتها، فالقوامة أمر شرعي تعني قيام الزوج بما يصلح شأن زوجته بالتدبير والصيانة وهو تكليف للزوج، وتشريف للمرأة وتكريم لها بأن جعلها تحت قيّم يقوم على شؤونها وينظر في مصالحها ويذب عنها، ويبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها. وأكد الغزاوي في خطبة الجمعة أمس أن الزواج في الإسلام رباط وثيق، وبه تسكن النفس وتقر العين والشارع حرَص على المحافظة على الأُسرة وتماسكِها ورغَّب في الإبقاء على عقد النِّكاح، وأمر الزوج بالمعاشرة بالمعروف، ولو مع كراهته لزوجته، مشيراً إلى أنه لهذا يجب على الزوجين أن يقاوما كلَّ ما يتهدد هذه المطالب السَّنية، فيتجاوزا ما يقع من الخلافات التي قد تفسد تلك الرابطةَ وقال: إذا كان ذلك فإن حلَّ عقدِ النكاح وطلبَ الانفصال من قبل الزوجة أمر محظور لا يُلجأ إليه إلا عند تعذر استمرار الحياة وبعد استنفاد جميع الطرق. وبين أن النصوصِ النبوية تحذر من المخالفات الشرعية المؤدية إلى الطلاق الذي أصبح مشكلةً بذاته حين صار ألعوبة في أيدي العابثين، ومساغاً سهلاً في أفواه المتهورين الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنىً، ولا يقيمون لها وزناً، يتزوجون اليوم ويطلِّقون غدا اسْتخفافا بهذه الرابطة الربانية. وقال: إن ما يؤسف له أن معدلات الطلاق ارتفعت ارتفاعاً كبيراً في السنوات الماضية، وصار ظاهرةً متفشية، إذ انتشرت حالاته بصورة جلية وأصبحت الإحصاءات والنسب الكبيرة من الطلاق أو الرغبة في فسخ عقد النكاح مخيفةً ومنذرةً بخطر كبير على المجتمعات المسلمة، وعند النظر في الأخطاء والمشكلات الأُسْرِيةِ التي كدرت صفو الحياة الزوجية، وكانت سبباً في وقوع الطلاق نجدها كثيرة ومتنوعة؛ فمن ذلك سوءُ اختيار الزوجين أحدهِما للآخر. ولفت إلى أن من أسباب وقوع الطلاق ضعف الوازع الديني والتقصيرُ في حق الله وفي المقابل الوقوع في الذنوب وارتكاب المعاصي واستمراؤها مما يؤدي إلى حصول الشرور والنزاع بين الزوجين ومن ثم الفراق. وقال: ما أخبار مدمني المخدرات وشاربي المسكرات في تعاملهم مع أزواجهم بخافية؛ من الاعتداء على أزواجهم بالضرب المبرِّح والسب واللعن والطرد من المنزل والتلفظ بالطلاق. وكشف إمام وخطيب المسجد الحرام أن من المشكلات الأسرية عدم تحمل المسؤولية من قبل الزوجين كترك الزوج إدارةَ شؤون البيت وتوفيرَ احتياجاته وانشغالِه بالجلسات والسهرات مع رفقائه وكثرة الأسفار لغير حاجة وتضييع حقوق رعيته، وكذلك إهمالُ بعض الزوجات بيتَها وانشغالُها بوسائل التواصل عبر الجوال أكثرَ وقتها. وأشار إلى مبالغة بعض الناس في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وشدةِ إدمانهم عليها وترددِهم على المواقع السيئة من الشبكة، مما أدى إلى مفاسد عظيمة ذاتِ أثر كبير على العقيدة والسلوك ويدخل في ذلك افتتان بعض الأزواج بأن يُعجَب بامرأة غير زوجته ويتعلق قلبه بها وقد يقيم علاقة محرمة معها فيحتقرُ زوجته ويزهد فيها ويهملُها ثم يطلقها، ومثل ذلك افتتان بعض الزوجات بوسائل التواصل فتقع في خيانة زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال ومواقع الشبكة، وعندما يكشف أمرها تعظم هناك بليتها. وبين أن من المشكلات كذلك التي قد تتسبب في الطلاق ما يصدر من أفعال خاطئة وتصرفات غير رشيدة في الحياة الزوجية، كسوءِ الظن بين الزوجين والشك المفرط بينهما والغَيرةِ غير المحمودة الزائدة عن الحد، وكتعيير الزوج لزوجته بكبر سنها أو بشيء في خلقتها وكمنع الزوجة من صلة والديها وقرابتها وزيارتهم لغير مسوغ شرعي، وكبخله على زوجته بمنعها الواجب عليه من النفقة بالمعروف، وذلك يشمل توفير المسكن والمطعم والمشرب والملبس والعلاج والدواء، وقال: أما ما عدا ذلك من الكماليات، فلا يجب عليه ما دام أنه قائم بما أوجب الله عليه من النفقة، فمن الزوجات من ترهق كاهل زوجها بكثرة المطالب التي تفوق طاقته ويعجز عن توفيرها. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً: ومن الزوجات من تتعالى على زوجها وتترفع عليه بمستواها التعليمي أو عملها الوظيفي أو اختلاف الطبقة الاجتماعية بينهما، كذلك من المشكلات أيضا ما يعاني منه بعض الأزواج من اضطرابات نفسية وسلوكية مختلفة وعدم الشعور بالاستقرار مما يجعله في مواجهات دائمة مع زوجته وكراهة لها ونفور منها ولا يسعى في معالجة نفسه حرصا على بقاء المودة والمحبة والوئام مع زوجته، ومما يتبع ذلك طبائع بعض الناس من سرعة الغضب والحماقة وسوء التصرف في المواقف والافتقار إلى الحكمة. وأوضح غزاوي أن من المشكلات عدم مراعاة الرجل خصائصَ المرأة الجسديةَ والنفسية والعقلية وما تمر به من أحوال مختلفة، فعلى سبيل المثال يعتري المرأةَ بعد الإنجاب تغيرٌ في هيئتها وجسمها، فيبدأ بعض الأزواج بالتهكم على زوجته والسخريةِ منها فتتحطمُ مشاعرها وتفضل الطلاق على البقاء مع رجل يسيء إليها ولا يحسن عشرتها وكذلك تدخل أهل الزوج وأهل الزوجة في شؤون الزوجين الخاصة أو تدخلهم بغير حق فيما يقع بينهما من مشكلات وتأليبُ أحدهما على الآخر مما يؤدي إلى تفاقم الخلاف وقد ينتهي بالفراق بينهما. وتطرق الغزاوي إلى أسباب متعددة للعزوف عن الزواج أفرزها الواقع الاجتماعي اليوم فمن ذلك ما لبّس به الشيطان على بعض الفتيات من امتناعها عن النكاح ورفضها له خوفا من أن تتحمل المسؤولية، أو أن يسيطر هذا الزوج على حريتها؛ ويمنعَها من الاستقلالية فلا تخرجَ إلا بإذنه ويرفض أن تعمل أو يمنعها من الاستمرار في وظيفتها وهذا ناتج عن ردة فعل بسبب تصرفات خاطئة لبعض الأزواج وتجاوزهم في معاملتهم لأزواجهم. ولفت إلى أن من أسباب عزوف بعض الفتيات عن الزواج، أيضا الخوف من أن يكون مصيرهن كمصير من طلقت بعد فشل حياتها الزوجية ووصفت بأنها عانس وهذا خطأ؛ فكم من فتاة تزوجت واستقرت أمورها وسعدت مع زوجها وعاشت حياة هنيئة ولم يكن بينهما بفضل الله فراق بل مودة ورحمة.