دخول المرأة الخليجية عالم الدبلوماسية كسفيرة في الدول والمنظمات الأجنبية جاء متأخراً عن شقيقتها العربية لأسباب تعليمية واجتماعية وتاريخية مختلفة لا مجال للخوض فيها هنا بسبب ضيق المساحة. على أن الخليجيات تمكنَّ بفضل اجتهادهن وتحصيلهن العلمي وحراكهن الاجتماعي من فرض أنفسهن على الحقل الدبلوماسي الذي كان لسنوات طويلة مقتصراً على الكوادر الذكورية. ومع إثبات جدارتهن في الأعمال التي أسندت إليهن سواء في ديوان وزارة الخارجية أو في سفارات بلدانهن في الخارج كموظفات أو ملحقات، استطعن ارتقاء السلم الوظيفي فوصل العديد منهن إلى رتبة «سفيرة». تاريخياً تعد دولة الكويت هي أول دولة خليجية تعين إحدى مواطناتها سفيرة في الخارج، والإشارة هنا إلى السيدة نبيلة الملا التي تم تعيينها في عام 1993 كسفيرة لبلادها لدى زيمبابوي، ثم شغلت في الفترة ما بين 1996 1999 منصب سفير فوق العادة مفوض لدى جنوب أفريقيا وسفير غير مقيم لدى ناميبيا وموريشوس وبوتسوانا وموريتانيا وزيمبابوي. وفي الفترة ما بين 1999 و2003 كانت سفيرة للكويت في النمسا وسفيرة غير مقيمة لدى جمهوريات المجر وسلوفاكيا وسلوفينيا، ثم انتقلت في نهاية عام 2003 إلى نيويورك كسفيرة دائمة للكويت في الأمم المتحدة فكانت بذلك أول عربية ومسلمة تمثل بلدها لدى المنظمة الدولية الأهم، ولاحقاً، في عام 2006، تبوأت منصب سفيرة الكويت لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، قبل أن تعين في عام 2007 سفيرة غير مقيمة في جزر باهاماس. بعد الكويت جاء دور سلطنة عمان التي عينت في سبتمبر 1999 إحدى مواطناتها وهي السيدة حنينة بنت سلطان المغيرية كأول امرأة عمانية بمنصب سفيرة في كل من هولندا وألمانيا، قبل أن تدخل الأخيرة التاريخ في عام 2005 كأول سفيرة لدولة خليجية في عاصمة القرار الأولى في العالم (واشنطن)، إضافة إلى منصب السفيرة غير المقيمة لدى المكسيك، وذلك بموجب مرسوم من السلطان قابوس، علماً بأن السفيرة العمانية الثانية كانت الدكتورة زينب بنت علي القاسمية التي عُينت في ألمانيا. في دولة الإمارات العربية المتحدة، كان عدد النساء المستحوذات على مناصب السلك الدبلوماسي في سنة 2013 نحو 20 % (ارتفعت النسبة إلى 30 % في عام 2018)، بينهن 27 دبلوماسية في الخارج و153 دبلوماسية في ديوان وزارة الخارجية والتعاون الدولي. ومن الجدير أن الإمارات عينت أول سفيرتين لها في الخارج في سبتمبر 2008 وهما حصة عبدالله العتيبة كسفيرة في إسبانيا (نقلت لاحقاً إلى هولندا)، ونجلاء محمد سالم القاسمي كسفيرة في السويد. والجدير بالذكر هنا أن الإمارات أقدمت ما بين عامي 2013 و2019 على تعيين العديد من السفيرات في الخارج، كان من بينهن: لانا زكي نسيبة السفيرة الدائمة لدى الأمم المتحدة، وفاطمة خليفة سالم المزروعي السفيرة في الدانمارك، وحنان خلفان العليلي السفيرة في لاتفيا، وحفصة عبدالله العلماء السفيرة في البرازيل، ونورة محمد جمعة السفيرة لدى فنلندا، علاوة على نبيلة عبدالعزيز الشامسي القنصل العام في هونغ كونغ. وفي البحرين، نجد تجليات اقتحام المرأة للوظائف الدبلوماسية العليا، في تعيين الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة سفيرة لدى فرنسا في يناير 1999 حيث بقيت في المنصب حتى منتصف 2005 وشغلت خلال هذه الفترة أيضاً منصب السفيرة غير المقيمة لدى إسبانيا وبلجيكا وسويسرا، ومنصب المندوبة الدائمة لدى منظمة اليونسكو، علماً بأنها انتخبت في يونيو 2006 كرئيسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة تلك السنة فأصبحت أول عربية ومسلمة، وثالث امرأة في العالم تشغل هذا المنصب. أما السفيرة البحرينية الثانية فقد كانت السيدة بيبي السيد شرف العلوي التي تم تعيينها في يونيو 2007 كسفيرة فوق العادة مفوض في الصين. وفي يونيو 2008 تم تعيين سفيرة ثالثة وهي السيدة هدى عزرا نونو التي تولت قيادة البعثة الدبلوماسية في واشنطن ما بين 2008 و2013، وفي يوليو 2011 صدر مرسوم ملكي بتعيين السيدة أليس سمعان سفيرة لدى بريطانيا قبل أن تعين في السنة التالية سفيرة غير مقيمة لدى أيرلندا. أما السفيرة الخامسة فقد كانت السيدة بهية الجشي التي عينت في أغسطس 2015 سفيرة فوق العادة مفوض لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، ثم أضيف إلى عملها بدءاً من فبراير 2017 تمثيل البحرين كسفيرة معتمدة لدى دوقية لوكسمبورغ، ومن ثم سفيرة غير مقيمة لدى الدانمارك. أما آخر الملتحقات بالركب فقد كانت المملكة العربية السعودية التي سمَّتْ في فبراير 2019 أول امرأة في تاريخها كسفيرة وهي سمو الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان التي عينت سفيرة في واشنطن، علماً بأن سعودية أخرى هي الدكتورة منال حسن رضوان الحاصلة على الدكتوراه من جامعة جورج ميسون الأمريكية مثلت بلدها كسكرتير أول بوفد المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، وتحدثت بهذه الصفة أمام مجلس الأمن الدولي في عام 2015. وإذا ما عدنا إلى الكويت نجد أن سفيرتها الثانية بعد نبيلة الملا كانت السيدة أمل مجرن الحمد التي تشغل منذ عام 2017 منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية من بعد توليها على مدى 16 عاماً منصب رئيسة بعثة مجلس التعاون الخليجي لدى الاتحاد الأوروبي، ونجد أن سفيرتها الثالثة هي السيدة ريم محمد الخالد وهي موضوع حديثنا هنا. ففي الخامس من نوفمبر 2015 صدر عن الشيخ صباح الخالد الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي القرار الوزاري رقم 50 لعام 2015، والذي قضى بتعيينات دبلوماسية. ومما لفت النظر في تلك التعيينات اختيار «ريم محمد خالد الزيد الخالد» مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الأمريكيتين. هذا الاختيار لم يأتِ من فراغ، فالسيدة الخالد راكمت خبرات دبلوماسية وسياسية وبحثية وتفاوضية طويلة منذ أن انضمت في عام 1988 إلى قسم الأمم المتحدة بإدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية الكويتية كباحثة سياسية، وبهذا سجلت ريم اسمها في تاريخ بلادها ضمن الجيل الثاني من مواطناتها العاملات وممن برزن على صعيد الأنشطة التطوعية والاجتماعية والتحقن بالعمل الحكومي. وفوق ذلك رسخت موقعها بنيل الشهادات العليا، حيث نالت في العام 1999 درجة الماجستير في الدراسات الدولية والدبلوماسية من كلية دراسات الشرق الأوسط والشرق الأقصى التابعة لجامعة لندن. كما استزادت خبرة من عملها في سنة 2001 كملحقة دبلوماسية في سفارة الكويت لدى النمسا وفي الوفد الدائم لبلدها لدى المنظمات الدولية بفيينا، ناهيك عن الخبرة التي اكتسبتها من عضويتها في عام 2005 ضمن وفد الكويت المشارك في المؤتمر التاسع والأربعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة النمساوية. وفي هذا السياق كتب الباحث اللبناني المقيم في الكويت حمزة عليان في الصفحة 99 من الجزء الثالث من كتابه «وجوه من الكويت» (دار ذات السلاسل/ الكويت/2012) ما مفاده أن الخالد «دخلت عالم الطاقة الذرية من بوابتها الشرعية، واطلعت عن كثب على مجمل الملفات العالقة، واحتكت بالمندوبين، بل وأدارت جملة من المواضيع المطروحة على بساط البحث لاسيما الموقف من البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والمسائل العالقة بين حكومة طهران ووكالة الطاقة الدولية، وموضوع تبني التطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية». وفي سبتمبر 2006 عُينت الخالد سكرتيراً أول في السفارة الكويتية بواشنطن، وبهذه الصفة مارست خلال الفترة 2006 2010 دور المستشار للسفارة المختص بملف الكونغرس الأمريكي، علاوة على ملف الشؤون الثقافية. وقد أبلت بلاء حسناً وأظهرت مواهبها الدبلوماسية الفريدة والتي تمثلت في نجاحها بنسج شبكة من العلاقات الجيدة مع وزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وذلك من خلال التحدث إليهم باللغة التي يجيدونها، الأمر الذي استحقت عليه الإشادة من قبل السفير الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح. على أن ريم الخالد قبل كل ما سبق ذكره عنها تعلمت الكثير من الدروس العملية من خلال واقعة الغزو العراقي لبلدها في صيف 1990. حيث إن ولاءها لبلدها، وإيمانها بالعلاقة المتبادلة بين المواطن والوطن وواجبات الأول حيال الثاني في الملمات، كانا وراء بقائها داخل الكويت، ومشاركتها في الأعمال التطوعية الهادفة للإبقاء على زخم الصمود والمقاومة. وبعد التحرير، وتحديداً في الفترة ما بين 1991 1992 تابعت عن كثب الأعمال الأممية الخاصة بتأسيس لجان المراقبة الحدودية بين الكويت والعراق، ليتم تكليفها في الفترة من 1992 1998 بمسؤولية متابعة شؤون بعثة الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة الحدود بين الكويت والعراق والتي عُرفت اختصاراً باسم «يونيكوم». ومما لاشك فيه أن النقلة الكبرى في حياة الخالد كان يوم أن صدر قرار في عام 2011 بترقيتها من رتبة سكرتير أول في واشنطن إلى رتبة سفير مفوض لدى جمهورية تشيلي، ثم صدور قرار آخر في عام 2013 بتعيينها سفيرة غير مقيمة لدى كل من جمهورية الإكوادور وجمهورية البيرو. وبهذا دخلت الخالد تاريخ بلدها ليس كثالثة سفيراتها فحسب وإنما كأول سفيرة خليجية في قارة أمريكا اللاتينية، عهدتْ إليها حكومتها تأسيس سفارة من الصفر في العاصمة التشيلية سندياغو. غير أن بقاء الخالد في هذه القارة لم يستمر طويلاً، إذ تمت ترقيتها في عام 2018 إلى منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمريكيتين ليخلفها في منصبها السفير محمد مفلح الجديع. في عنوان المقال وصفناها بحفيدة الطواويش، وهي كذلك بالفعل. فجدها هو الوجيه خالد زيد الخالد، الذي يُعرف عند كويتيين كثر ب «الرجل الأول» لأن اسمه ارتبط بتأسيس أوائل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الكويت في المرحلة الانتقالية ما بين حقبتي ما قبل النفط وما بعد النفط. فالرجل الذي بدأ عمله كطواش وتاجر لؤلؤ عام 1932 قبل أن يتاجر في الأقمشة والمواد الغذائية، هو أول رئيس لمجلس إدارة أول شركة طيران كويتية وطنية، وهو أيضاً أول رئيس لمجلس إدارة بنك كويتي وطني (بنك الكويتي الوطني المؤسس في عام 1952) وهو من أوائل من فكروا وساهموا في تأسيس أول شركة مساهمة للسينما سنة 1954. ولأن في الكويت أكثر من عائلة تحمل اسم الخالد، فقد ميزت الأسرة التي تنتمي إليها السفيرة ريم الخالد نفسها ب «أسرة الخالد أصحاب الديوان في منطقة القادسية»، وهذه الأسرة جاءت إلى الكويت في أوائل القرن التاسع عشر من البادية وسكنوا منطقة الجبلة (القبلة)، وبنوا لأنفسهم في عام 1854 منزلاً كبيراً عُرف باسم «البيت العود، وهو البيت التي منحوها لاحقاً كهبة للدولة التي حولته إلى المدرسة المباركية (نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح) قبل قيام بلدية الكويت بهدمه في عام 1968، كما أن المنطقة الحاضنة لمنزلهم نُسبت إليهم، حيث سُميت ب«فريج الخالد»، وكان مجاوراً لفريج الحميضي وفريج السديراوي. أما نسبهم «فيعود إلى الشملان من السلقا من عنزة وهم ذرية خالد خضير علي بن شداد» طبقاً لما جاء في موقع «تاريخ الكويت» الإلكتروني، وكان جدهم الكبير يدعى «كليب بن علي» الذي أنجب من الأبناء سلطان وعلي، ومن البنات لطيفة، ومارس التجارة بين الكويت والأحساء، علماً بأن الابن علي تزوج من «سبيكة عبدالرحمن الزبن» وأنجب منها الأبناء: فرحان ومشعان وخالد ومشاري، علاوة على خضير. وخضير بن علي بن كليب بن علي هذا عمل بالتجارة بين الكويت والدرعية، فأعجب به الأمير سعود بن عبدالعزيز الأول الذي رأى فيه من الخصال الحميدة ما دفعه إلى تعيينه كأمير للحجاج المتوافدين من إيران ودول الخليج، وظل كذلك إلى أن توفاه الله في سنة 1246 للهجرة. ومن ضمن أسرة الخالد، شخصيات كثيرة؛ منهم من امتهن الطواشة مثل جد الأسرة النوخذة خالد الخضير والطواش زيد الخالد (صاحب البوم المعروف باسم الواطي) والطواش حمد الخالد والطواش عبدالرزاق الخالد؛ ومنهم من مارس التجارة مثل أحمد سعود الخالد وخالد زيد الخالد وغسان أحمد الخالد؛ ومنهم من شغل مناصب حكومية أو نيابية مثل حمود زيد الخالد (عضو المجلس التأسيسي ووزير العدل الأسبق) وأحمد فهد الخالد (عضو مجلس الشورى في العشرينات) وعبدالرزاق زيد الخالد (عضو مجلس الأمة في الستينات) وسليمان حمود الخالد وزير المواصلات الأسبق وفيصل عبدالرزاق الخالد (وزير التجارة الأسبق) وطارق زيد الخالد (الوكيل المساعد في ديوان الخدمة المدنية) وفضة أحمد سعود الخالد (الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم)، ومنهم من مارس الأدب والشعر مثل مهلهل حمد الخالد، وفرحان فهد الخالد، والأديب الشاعر خالد سعود الزيد الخالد. ومن الأمور التي ذكرها الكاتب حمزة عليان (مصدر سابق/ صفحة 100) عن السفيرة الخالد أنها رياضية عاشقة وممارسة للعبة الأسكواش، بل مثلت الكويت عالمياً فيها وحصدت بعض البطولات، ودربت الآخرين عليها من أعضاء «نادي الكويت» الكويتي، الذي تنتمي إليه وتتعصب له بشدة، خصوصاً عندما يتواجه الأخير مع نادي القادسية. ويُقال إن تعصب الخالد لنادي الكويت تعصب وراثي لأن والدها محمد الخالد عضو مؤسس لنادي الكويت، ولأن خالها مشعان الخضير رئيس سابق للنادي. حصلت ريم الخالد على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من رئيس جمهورية تشيلي تقديراً لجهودها في تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين والتي تأسست في عام 1961 لكن تأخر قيام كل بلد بتأسيس سفارة له في البلد الآخر طويل. كما نالت الخالد التكريم من رئيس جمهورية بيرو، التي كانت لها مواقف مشرفة وداعمة للكويت في مجلس الأمن أثناء أزمة الاجتياح العراقي للكويت، ومن رئيس جمهورية الإكوادور التي لطالما تعاونت مع الكويت من خلال عضويتهما في منظمة الأوبك. وفي عام 2017 تم اختيار 23 سيدة يمثلن معظم مجالات التميز في المجتمعين الكويتي والدولي، مثل مجال الأعمال الخيرية والاجتماعية ومجالات الفنون والطب والسياسة والاقتصاد والاختراع، وذلك ضمن إعلان «جائزة المرأة العربية/ الكويت» فكانت ريم الخالد إحداهن. أما في العشرين من سبتمبر 2019 فقد أصدر مجلس الوزراء الكويتي مرسوماً بتعيين ريم محمد الخالد سفيراً لدولة الكويت لدى كندا، لتبدأ رحلة مثيرة أخرى في عوالم الدبلوماسية ودهاليزها. أستاذ العلاقات الدولية - مملكة البحرين