هل تأثر اللاعبون السعوديون برفع عدد الأجانب في المسابقات المحلية؟ وهل ساهم ذلك في تقليص مشاركتهم في أنديتهم؟ وهل انعكست الزيادة بشكل سلبي على أداء المنتخب ونتائجه؟ هذه التساؤلات وغيرها تطرح عند كل إعلان للتشكيلة الأساسية للمنتخب السعودي منذ قرار الاتحاد السعودي لكرة القدم رفع عدد الأجانب في الأندية المحترفة ل8 لأول مرة بدعم وتمويل من الهيئة العامة للرياضة مطلع الموسم الماضي، بغية رفع مستوى الدوري فنيا وإعلاميا واستثماريا، وخفض تكلفة اللاعب المحلي مع تحفيزه لبذل مجهودات أكبر لإثبات نفسه ليضمن خانة أساسية في فريقه أيا كان. هذه التجربة التي طبقت بشكل استثنائي الموسم الماضي في المسابقات المحلية بشكل عام والدوري بشكل خاص بعد المكرمة التاريخية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بسداد جميع ديون الأندية، واستقطاب لاعبين أجانب على مستوى رفيع بدعم حكومي، بغية الوصول بالدوري لقائمة ال10 الأوائل على مستوى الدوريات في العالم. بيد أن هذه التجربة التي انقسم الرياضيون حيالها، أخضعت للتقييم هذا الموسم ليتم تقليص عدد الأجانب من 8 ل7 بعد الاجتماع مع مسؤولي أندية دوري المحترفين على أن تخضع للدراسة من جديد ليتم التدرج بتخفيض عدد اللاعبين الأجانب في ما بعد للاستقرار على 4 لاعبين أو الاستمرار على عدد الأجانب وفق نتائج الدراسات التي توازن ما بين الإيجابيات والسلبيات لتتجه نحو ما تراه يصب في مصلحة كرة القدم السعودية محليا وعالميا. بقيت هذه التجربة الحديثة مثار جدل في البرامج الرياضية ومنصات التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد ومعارض، وفئة ثالثة ترى أن التجربة تحتاج وقتا أطول للحكم عليها. جدل رياضي ولكل فئة حججها التي تسوقها عند طرح وجهة نظرها، فالمؤيدون يرفضون ربط نتائج المنتخب بزيادة عدد الأجانب، مستشهدين بالنكسات التي أصابت المنتخب في السنوات ال10 الأخيرة على الرغم من اقتصار الأجانب حينها على 4، كالفشل في التأهل لكأسي العالم عامي 2010 و2014، ومغادرة بطولتي آسيا من دور المجموعات عامي 2011 و2015، مع خسارة كأس الخليج 4 مرات، والبطولة العربية، باستثناء الوصول لمونديال روسيا صيف العام الماضي. في المقابل، يقف المعارضون رافعين مصلحة المنتخب فوق كل اعتبار، مشددين على أن الخاسر الأول من زيادة عدد الأجانب هو اللاعب المحلي الذي لم يعد يجد الفرصة الكافية، مستدلين باستدعاء لاعبين بدلاء في أنديتهم للمشاركة مع المنتخب، ما أثر على مستوياتهم وانعكس على أداء المنتخب، وليس خروج المنتخب من دور ال16 في كأس آسيا مطلع العام الميلادي الحالي بالإمارات، والتعادل أمام المنتخبين اليمني والفلسطيني في التصفيات المشتركة المؤهلة لكأس العالم 2022، وكأس آسيا 2023، عن ذلك ببعيد. استقصاء «عكاظ» «عكاظ» قررت الخروج من إطار الآراء المجردة والدخول بعمق أكثر في الموضوع من خلال استقصاء مشاركة اللاعبين المحليين مع أنديتهم منذ قرار رفع الأجانب بداية الموسم الماضي إلى نهاية الجولة السادسة من دوري الأمير محمد بن سلمان في هذا الموسم. ولم يقتصر الاستقصاء على مشاركة اللاعبين بالدوري المحلي بل شمل كل المسابقات التي شارك فيها اللاعبون مع أنديتهم ككأسي الملك والسوبر، والبطولة العربية، بجانب دوري أبطال آسيا. واعتمدت «عكاظ» في الاستقصاء على محورين؛ أولهما عدد ظهور اللاعب المحلي في المباريات مع فريقه سواء كانت مشاركته كلاعب أساسي أو بديل من أصل إجمالي المباريات التي خاضها فريقه خلال الفترة الزمنية للاستقصاء والخروج بالنسبة المئوية. أما المحور الثاني الأكثر دقة فهو عدد الدقائق التي لعبها اللاعب المحلي مع فريقه من إجمالي دقائق المباريات التي خاضها فريقه طيلة فترة الاستقصاء وصولا للنسبة المئوية. وشمل الاستقصاء القائمة الأخيرة التي اعتمدها المدرب الفرنسي هيرفي رينارد للتصفيات المشتركة المؤهلة لكأس العالم 2022، وكأس آسيا 2023، بجانب زيادة الثلاثي الغائب الأبرز عن قائمة شهر أكتوبر لمباراتي سنغافورة وفلسطين بسبب الإصابات ممن يعدون ركائز أساسية للأخضر في الفترة الأخيرة وهم سالم الدوسري، ومحمد كنو، وعبدالله المعيوف. وخرج استقصاء «عكاظ» بأن 9 لاعبين جلهم من الأساسيين شاركوا بما نسبته 60% فما فوق من إجمالي دقائق مباريات فريقهم، كما تبين لنا من الاستقصاء بأن 14 لاعبا من أصل 27 لاعبا شاركوا بأكثر من 50% من مباريات فريقهم وفق الدقائق الفعلية لإجمالي مباريات فرقهم. وأظهر الاستقصاء مشاركة 12 لاعبا في دقائق تمثل أقل من 49% من مباريات فرقهم. ظهور اللاعبين وعلى مستوى ظهور اللاعبين مع أنديتهم في عدد المباريات سواء أكانوا أساسيين أو دخلوا كبدلاء دون النظر لعدد الدقائق، كانت النسبة متقاربة وليست ببعيدة وفق نتائج الاستقصاء، حيث أظهرت مشاركة 15 لاعبا بأكثر من 60% من مباريات فرقهم، فيما بلغ إجمالي عدد اللاعبين الذين شاركوا بأكثر من نصف مباريات فرقهم 20 لاعبا من أصل 27 وهو رقم مقبول قياسا بكثرة المباريات التي وصلت للفرق ال4 الكبيرة ما يقارب 50 مباراة، فيما تجاوزت فرق أخرى حاجز الخمسين 50 مباراة. وأظهر استقصاء «عكاظ» أن متوسط نسبة ظهور لاعبي المنتخب مع أنديتهم منذ إقرار رفع عدد الأجانب 60%، بينما بلغ متوسط نسبة مشاركة اللاعبين مع أنديتهم وفق عدد الدقائق قرابة 50% من إجمالي مباريات فرقهم. وتبدو النسب بالمجمل مقبولة، إذا أخذنا بالاعتبار أن جل التشكيلة الأساسية للمنتخب شاركت بأكثر من 60% من مباريات فريقها وتشمل محمد العويس، وعلي البليهي، وياسر الشهراني، ومحمد البريك، ومحمد كنو، وسالم الدوسري، وعبدالله الخيبري، ويحيى الشهري، وعبدالفتاح عسيري، وهتان باهبري. ولا بد من الأخذ بالاعتبار أن غياب عدد من اللاعبين عن المباريات كان بسبب المداورة من قبل المدربين وضغط المباريات، حيث لم يشارك معظم اللاعبين في الأدوار الأولى لمباريات كأس الملك والبطولة العربية، فيما كان حضورهم الأكبر في مباريات البطولتين الأقوى؛ الدوري والآسيوية. وغيبت الإصابات عددا من اللاعبين فترات طويلة جدا، ما ساهم في خفض نسبة مشاركتهم مع فرقهم تماما كما حدث مع عبدالله عطيف، وسلمان الفرج، اللذين غابا عن نصف مباريات فريقهما (الهلال) الموسم الماضي لظروف الإصابة. وأبان الاستقصاء أن 8 لاعبين ممن وقعت عليهم اختيارات الفرنسي هيرفي دون سن 23 عاما، ما جعل أيضا فرص مشاركتهم ليست مرتفعة، فيما شارك 4 من 8 لاعبين بكأس العالم للشباب دون سن 19 عاما الصيف الماضي، حيث كانت مشاركة هذا الرباعي مع فئة الشباب بأنديتهم، ولم يظهروا مع فرقهم إلا في الثلث الأخير من الموسم الماضي وبداية الموسم الحالي. المسحل التجربة تحت الدراسة يرفض رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل تحميل زيادة عدد اللاعبين الأجانب في الدوري مسؤولية أي تراجع يحدث في أداء المنتخب السعودي، مؤكدا أنه مثل أي قرار له سلبيات وإيجابيات. وقال المسحل: «تجربة الأجانب مثلما لها سلبيات فلها إيجابيات أيضا، في دوري أبطال آسيا كل فريق يلعب ب4 أجانب فقط، وفي الدوري المحلي 7 أجانب، ومع ذلك تأهلت 4 أندية سعودية لدور ال16، هو حدث يحدث لأول مرة منذ 10 سنوات، آخر مرة كانت بعام 2009». وأضاف: «عدد الأجانب قد يساهم في مضاعفة اللاعب المحلي جهده لحجز مكان في الفريق، لأن الخانات المتاحة أمامه في التشكيل الأساسي 4 فقط، لن نستعجل في الحكم، كل قرار له إيجابيات وسلبيات، سندرس بشكل مفصل موضوع الأجانب من كافة النواحي، وإذا رأينا أن القرار بحاجة لتعديل فسيتم». ماذا قال المدربون والنقاد؟ 1 - اللاعب الدولي السابق نجم الأهلي والاتحاد الكابتن إبراهيم السويد يرى أن المنتخب سيتضرر على المدى الطويل من بقاء عدد الأجانب على ما هو عليه الآن، مبينا في تعليقه على الاستقصاء بأن اللاعب قد يحظى بالمشاركة لكن في المجمل فإن أعداد اللاعبين تبقى قليلة. ويؤكد السويد أن زياد عدد اللاعبين الأجانب تبقى تجربة، وكان من آثارها تقليص مشاركة اللاعب السعودي في المباريات وهو ما انعكس سلبيا على المنتخب. ودعا السويد لإعادة عدد اللاعبين الأجانب لما كان عليه في السابق بحيث يقتصر على 4 لاعبين مع استحداث دوري رديف أو أولمبي لفتح المجال للاعبين الشبان للمشاركة وإثبات أنفسهم ممن لا يحظون بالمشاركة الكافية مع أنديتهم في دوري المحترفين. 2 - فيما يذهب المدرب الوطني علي كميخ إلى رأي السويد بأن المتضرر من زيادة اللاعبين الأجانب هو اللاعب المحلي، الذي كان أثره سلبيا على المنتخبات الوطنية، مجددا دعوته إلى العودة ل4 لاعبين أجانب بحيث تعم الفائدة على الطرفين. 3 - يختلف اللاعب السابق والناقد الرياضي سلطان اللحياني مع المعارضين، مشيرا إلى أن قرار زيادة اللاعبين الأجانب زاد من قوة الدوري وقلل من الفوارق الفنية بين الأندية وزاد من قيمة المنافسة. ويؤكد اللحياني أن القرار قلص بعض الشيء من فرص مشاركة اللاعبين السعوديين، لكنه استدرك: «بالتأكيد من يملك الموهبة قادر على المنافسة والمشاركة بشكل أساسي مع هذا القرار». ولا يتفق اللحياني مع الآراء التي تحمل إخفاقات المنتخب لهذا القرار، مشددا على أن تأثر المنتخب بهذا القرار ليس بالتأثير الكبير، متفقا مع استقصاء «عكاظ» بأن أكثر من 90% من لاعبي المنتخب عناصر أساسية في أنديتها وهم الأفضل على مستوى الدوري. وحول الحلول المتاحة من وجهة نظره للحفاظ على قوة ومستوى الدوري دون تضرر اللاعب السعودي والمنتخب، دعا اللحياني إلى إقرار دوري رديف لزيادة فرصة مشاركة اللاعبين الشباب وبالتالي يجد الموهوب منهم فرص أكثر للتطور وإثبات أحقيته بالمشاركة بما يحقق الفائدة للمنتخبات الوطنية. 4 - يقف مدرب الاتفاق الحالي والمنتخب السعودي للشباب السابق الكابتن خالد العطوي موقفا محايدا، حيث يرى أن الحكم على التجربة بحاجة لوقت حتى تظهر ثمارها. وقال: «تجربة رفع عدد اللاعبين الأجانب في الدوري السعودي للمحترفين لا يمكن الحكم على نجاحها أو فشلها إلا إذا طبقت على أرض الواقع، من خلال مشاهدة مستوى وأداء المحترفين الأجانب، وهل بالفعل اللاعب السعودي سيحقق الفائدة، ويستطيع تطوير مستواه. والجانب الثاني كيف ستكون جودة التدريب التي تعتبر مهمة جداً، حيث شاهدنا الرتم العالي في المسابقات العالمية، من خلال سرعة التحولات من الناحية الدفاعية للهجومية والعكس، وبالتالي نحن بحاجة إلى جودة التدريب من جميع النواحي، وإذا استطاع اللاعب السعودي مواكبة الرتم العالي فإنه سيتطور بشكل كبير». الإيجابيات - زيادة قوة الدوري فنياً - رفع القيمة السوقية للأندية - زيادة جذب الاستثمارات والإعلانات - تسليط الضوء إعلامياً على الدوري - تقليل الفوارق بين الأندية - زيادة حجم الإثارة والندية في الدوري - رفع مستوى اللاعب السعودي بالاحتكاك - تقليل عقود اللاعبين المحليين السلبيات - تقليل فرصة مشاركة اللاعب السعودي - هبوط مستوى المنتخب بسبب عدم مشاركة اللاعبين في أنديتهم - عدم التقليل من عقود اللاعبين المحليين بالشكل الكافي - تكبد الأندية أموالا طائلة بسبب الاختيارات الخاطئة للأجانب توصيات التحقيق: 1 - إخضاع تجربة زيادة عدد الأجانب في المسابقات المحلية لمزيد من الوقت 2 - استحداث دوري رديف لمنح فرصة للاعبين المحليين 3 - إعادة الدوري الأولمبي للمساهمة في مشاركة اللاعبين الشباب 4 - دعم برامج ابتعاث اللاعبين الشبان للخارج 5 - فتح المجال ودعم احتراف اللاعب السعودي خارجياً 6 - تشكيل لجنة للإشراف على اختيارات اللاعبين الأجانب في الأندية 7 - تخفيض عدد الأجانب في دوري الدرجة الأولى والثانية