كان حمله ثقيلا وحلمه أكبر، كجريدة قديمة تمزقت وتلاشت بعض أجزائها ويريد تجميعها في صفحة واحدة، خبر من هنا عن دولتين مستقلتين، وخبر هناك عن ثورة اختلط فيها الحابل بالنابل، وعن رئيس مخلوع، تخلى عن الجميع وقت الشدّة ثم تحالف مع العدو، ثم مات مقتولا على أيديهم..! كيف يُرضي الجميع ويخرج منتصرا؟ وهل عليه أن يُرضي الجميع أم أن عليه أن لا يفكر بالنصر والهزيمة في هذا الوقت؟ هل يغادر جدة؟ أم عليه الصبر وتحمّل العروض التي تُلقى أمامه بعنجهية رغبة منهم برفضها؟ كان الزبيدي يحمل في جعبته وطنا يطالب بدولة مستقلة، لكنه كان أمام استحقاق لا يمكنه تجاهله ورفضه، تحقيق الهدف الأسمى الذي قدّم التحالف العربي بسببه الغالي والنفيس لاقتلاع الحوثية المدعومة من إيران من وطن كان يسمى سعيدا فأصبح موطنا للبؤس، المملكة بحكمتها الشديدة جعلت المستحيل ممكنا، والآخر حاول جعل الممكن مستحيلا، برفض الحوار، وتقديم عروض لا يمكن القبول بها، وإذا قبلها سيجد في الجنوب من يقول ألف لا، وتعود الفتنة من جديد! جلس وحاور وناقش وفاوض، وجد في السعودية من يشدّ على يده بقوة، ويشجعه على الاستمرار، كان يعلم أنه لا يُمثل نفسه، بل يمثل الملايين التواقين لحل المشكلة بضربة واحدة، كيف تحل آلاف المشاكل بضربة واحدة؟ خريطة الطريق التي وضعت أمامه تضمنت عودة الشرعية لعدن، وإعادة هيكلة الشرعية بضمان تمثيل معقول للجنوب، وشراكة سعودية جنوبية حقيقية تضمن حفظ وتأمين المكتسبات التي تحققت على أرض الواقع، وعودة الرئيس هادي إلى عدن، ومشاركة حقيقية في الحكومة اليمنية القادمة، مناصب وزارية وسفراء، فما العمل؟ هل سيفكر كسياسي أم كرجل حرب عسكري أم كدبلوماسي؟ الدبلوماسية هنا ستكلف الكثير، ورجل الحرب يفكر بالنصر والهزيمة فقط، إذن عليه التفكير بعقلية السياسي، السياسي المخضرم، يشاور المقربين والمستشارين، فذهب إليهم يحمل أوراقه ويسأل، فقالوا تنازلا. فأجاب أن ذلك طرف الخيط، وطرف الخيط مهم، لمن يعقل. فقالوا نحن أولو بأس شديد. فقال لسنا في ساحة حرب، بل طاولة مفاوضات. فقالوا إن الرؤساء إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة. فقال: ذلك غير صحيح، الرئيس هادي جنوبي، ومن أبناء الجنوب، ودخوله كدخولي ودخول أي منكم. قالوا انظر، فماذا ترى؟ قال: المصالحة والمهادنة والمسالمة، المرحلة تقتضي ذلك، الضرورة تقضي بذلك، والضرورات تُبيح المحظورات، بلقيس أرسلت هدية، أما أنا فسأرسل الموافقة المشروطة. في الشمال، كان هناك حكاية أخرى، حاول البعض التملص والإنكار، فوجدوا من العقلاء صدّا وحكمة، قالوا إن الحلم سيد الأخلاق، الحوثية ترفض، إيران ترفض، حزب الله يرفض، أما نحن فلسنا بروافض، هدفنا لم يكن يوما حربا مع الجنوب، كان دوما محبة وسلاما، والسعودية تريد ذلك، والإمارات تدعم ذلك، حنوا ورغبة في تجاوز تلك العقدة، وحلّها سيحل كل المشاكل، فقالوا كيف نصبح معهم قوة واحدة وهم يطالبون بالانفصال؟ فقيل إنكم كنتم معهم كذلك على الدوام، ولم يسأل أحد من قبل هذا السؤال، فقالوا الأمور تغيرت، فقيل سلاما سلاما. في إيران وقطر، كانت النفوس تغلي، جُن جنونهم، كيف يتفق الأشقاء؟ علينا التحرك بسرعة، علينا إشعال الفتنة، تحدثوا مع الحوثي، تحدثوا مع حزب الله، تحدثوا مع الحشد الشعبي، أشعلوا النيران، سخّروا العملاء، إذا اتفق الجنوب والشمال، يعني نهاية الحوثية وإيران، انشري يا جزيرة، تحدثوا عن الإمارات، عن سقطرى، عن العراق، ادفعوا لعبدالباري دولارا، وللمرتزقة ألف دولار.. عاد الزبيدي يحمل الموافقة، تفويض بتجاوز أية معوقات، فوجد العقلاء ينتظرون، جاهزين مستعدين، توقع أن يعترض طريقه أحد، يشاكسه أحد، فلم يجد، كانت الدروب ميسرة، والطرق مفتوحة، والأمل أن يعود اليمن سعيدا، يعادل حجم تلك الأرض الطيبة المعطاء، يمن الخير والعطاء. كانت جدة، عروس البحر الأحمر بانتظار ذلك الحلم، فتباهت بزينتها الغالية، فغنى البحر: «لو كنت محبوبي تتقبل أسلوبي» فقالوا جميعا للسعودية: «نتقبل أسلوبك». * روائية وباحثة سياسية [email protected]