قال مدير مكتبه: المخلافي بالباب، وقد طلبت مني تذكيرك يوم حضوره بالمشاهد التي بثتها قناة الجزيرة في تعز، وكيف بدا مراسل القناة يومها كالمهرج حين وصل هناك متحمسا قبل المعركة. لم يتذكر القرضاوي، فتابع مدير المكتب: «مسرحية الحرب على الحوثي التي أضحكت الناس على الإخوان، المعركة الوهمية التي خططها المخلافي، دبابة تتقدم ثم تعود، والمذيع الأبلة يمدح المقاومة الشعبية في تعز، وكومبارس يركضون مسرعين، يمنة ويسرة، يرفعون بنادقهم ويطلقونها في الهواء، تذكرت؟. فهزّ القرضاوي رأسه وقال: نعم نعم». دخل المخلافي مسرعا، جثا على ركبتيه، وراح يقبل قدم سيده القرضاوي وهو يبكي، ظنّ أن الدموع سوف تشفع له وتمسح خطاياه، عند سيده المرشد الأعلى، لكن القرضاوي الخرف، نسي سبب استدعاء المخلافي، مرة أخرى، وصدق نفسه أنه مُبارك، فمدّ له يده، فتناولها الآخر بلهفة وراح يقبلها بحرارة، انتفخ القرضاوي أكثر، لكنه اختنق وهو يحاول أن يتذكر من هذا الشخص ولماذا استدعاه، فقفزت مشاهد مسرحية تعز في ذهنه، فهزّ رأسه، كماكينة حفر، وقال للمخلافي: «أنت أحمق؟ ما هذه المسرحية الهزلية التي طلبت من الجزيرة تصويرها في تعز؟ معركة مزيفة مخزية، سخر منها الجميع. خدعتُ الناس 50 عاما ولم أتعرض لما تعرضت له في ساعة واحدة». ودّ المخلافي أن يعلق، لكن القرضاوي قاطعه وقال «لا داعي للتبريرات، بدل أن تصبح رمز مقاومة أصبحت رمزا للخداع والسخرية». وضع المخلافي رأسه على الأرض، وراح يسترق النظر، كاللص، ودّ أن يقول للقرضاوي إن الناس لم تصدق خداعه، لكنه أمسك، وقال: «كان خطأ جسيما وأتحمل تبعاته كاملة». نادى القرضاوي على أحد الخدم، كي يناوله «الطربوش»، فاستغرب المخلافي هذا الأمر، وبعد لحظات، جاء الخادم بطربوش تركي الصنع، وقدمه للقرضاوي، فطلب القرضاوي من المخلافي أن يركع بين يديه، وقال، وهو يضع الطربوش على رأس المخلافي: «الآن اختلفت المهمة، عليك العمل كرمز من رموز الإخوان، يجب أن تتجه إلى تركيا والجلوس هناك، لتنفيذ ما نرسله لك من خطط وأفكار، وأيضا لتساعدنا في تيسير أعمال اتحاد العلماء التجارية وغيرها، لا بد أن تتعلم وتتمرس كيف يسير العمل في هذا المجال، وإذا أردت أن تصبح رمزا عليك أن تفهم آلية عملنا إعلاميا وسياسيا». تذكر المخلافي يوم استدعاه القرضاوي ليشهد مسرحية وثيقة بيع فلسطين، مع خالد مشعل، في عيد الفطر يوليو 2016، وكيف اتفقا على تسريب ما يسمى بوثيقة فك ارتباط حماس بالإخوان، لإعفاء حماس من أي إحراج، كانت بالنسبة له فكرة معقدة آنذاك، ومع أنه لم يفهمها، إلا أنه فهم أن هؤلاء المخادعين هم الأجدر بالتخطيط، لذلك وقف مزهوا بالطربوش، وقال للقرضاوي: «السمع والطاعة، سأعود إلى تعز، لتنظيم بعض الأعمال والأموال، ثم أرحل إلى تركيا، ولكن هل سيتم ترتيب أية احتفالات بقدومي، وأيضا كيف سيتم ترتيب تمويل لإقامتي ونشاطاتي هناك؟ فأجاب القرضاوي وهو يؤشر بيديه المرتجفتين بأنه لا يستحق أي احتفال وأنه لن يقابل أردوغان لكن ربما أنه سيقابل مستشاره أكتاي، وهو الذي سينظم له كل شيء، حيث إنه يدير أعمال تميم وحمد بن جاسم في تركيا». المخلافي، الذي سرق الملايين من أموال حزب الإصلاح الإرهابي، المسروقة أصلا من أموال الشرعية، والتي تلقتها الأخيرة من التحالف العربي، فاستخدمها في تجارة الأسلحة مع الحوثيين سرا، لتبرير تسليمه مدينة تعز، رأى في قرار القرضاوي بالهروب إلى تركيا الحل الأمثل لتغطية ومسح جرائمه وصفقاته مع الحوثي. خلال عامين في تركيا، تمكن المخلافي من تنفيذ مخطط ثلاثي الأبعاد، يخدم فيه قطروتركيا من جهة، ويستأذن الحوثية لمهاجمتها مقابل دفن الأسرار والبقاء رمزا لتعز، ثم الضرب في التحالف العربي من جهة ثالثة، ومنع أي تقارب بين الشمال والجنوب، والحوار في جدة بينهما، وأثناء ذلك، كان يعتز، ذنب تعز، بارتدائه الطربوش، واستعراض الأزياء، والرقص على دماء ضحايا اليمن، وأولها دماء شقيقه ونجله وكثير من تلك الدماء التي ذهبت هدرا في تعز! * روائية وباحثة سياسية [email protected]