قبل دقائق من اللقاء في جدة، وقبل أن يجتمع الفريقان، طلب هادي لقاء منفردا سريعا مع الزبيدي، فعرف المضيفون ما يدور بخلده، عرفوه يتسم بالحكمة والهدوء، فأجابوا طلبه، وتم تجهيز غرفة لقاء خاصة، وهمسوا في أذن الزبيدي، عن الاجتماع الخاص. الزبيدي، الذي عمل برفقة هادي طويلا، ويعرف معدنه الأصيل، ويعلم نواياه الحسنة، تجاه اليمن وشعب اليمن كله، لم يتردد لحظة، مشى على وقع تلك النوايا التي اختبرها طويلا، وبادر بالسلام بقبلة على رأس هادي، فتلاشى التوتر، وتحول اللقاء، وبدل أن يكون بين طرفين، أصبح بين صديقين عتيقين. لم يشأ هادي، وبحنكته السياسية العميقة، أن يبدأ الحوار بموضوع الحوار، فسأل عن الأهل، والأبناء، فردّ الزبيدي بذكاء، وقال: «أهل بيتي بخير، أما أبنائي فهم عاتبون قليلا». ففهم هادي ما يقصد، أن أبناء الجنوب جميعا هم أبناؤه، فقال بسرعة: «كلنا عاتبون». الحنين، بين هادي والزبيدي، لا يوصف، أيام طويلة على الجبهات لقتال الانقلابيين الأشرار، خندق اتسع لهم جميعا، في الضالع، ويوم انقلاب الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع، حشد الزبيدي جنوده وأبناءه واستمر دفاعا عن هادي والجيش اليمني، حتى دحر الحوثيين، أيام لا تنسى، ولن تنسى، قال الزبيدي: مرحلة ومضت سيادة الرئيس، ونحن في الحوار، في حرم المملكة. أنعشت الجملة الرئيس هادي، رأى فيها أن الزبيدي، الذي اختبر قدراته السياسية والعسكرية، ما زال هو ذات الشخص، كان يعلم ذلك جيدا، ولكنه تأكد الآن، أن القلوب لم تختلف، فكر بتقديم الطروحات الممكنة الآن، لكنه آثر أن يغوص أكثر في قلب الجنوب، قال: أنت تعلم ما هو الجنوب لدي، وما هي القضية الجنوبية، أليس كذلك؟ الزبيدي، لم يكن يحتاج تذكيره بمن هو هادي، ليس كشخص فقط، بل كرجل وطني عريق، أمضى شبابه وحياته يدافع عن كل ذرة من تراب اليمن، فقدَ الغالي والنفيس، وهو يدفع أن يعود اليمن سعيدا مزدهرا مشرقا، فوضع يده على ذقنه وقال: أعلم سيادة الرئيس، أعلم. قال الرئيس: إذن، علينا أن نقرر بسرعة، هذه جدة وليست ستوكهولم، أنتم أهلنا ولستم أذرع طهران، أنتم أبناؤنا وجنودنا وعزوتنا، ونتفهم كل مطالبكم، ولا نريد لهذه القافلة أن تتوقف، عليها أن تكمل المسير نحو صنعاء، مُتحدين لا مُنفصلين، مع أني أعلم متطلبات الإعلام، الذي يتمنى حدوث اختلاف، خدمة لمصالح قوى أخرى، لا تريد لنا أن ننتصر..! فكّر الزبيدي بالمقصود، هادي ليس حكيما فحسب، بل هو سياسي من طراز رفيع، وما سيقوله الآن، سيكون خارطة الطريق لسنوات أخرى، قد تقصر أو تطول، وهو لا يُمثلّ نفسه فحسب، لديه مسؤولون وقادة وشعب، وهم أصحاب القرار، وكان يتمنى أن يتحدث عن المشاكل، في محاولة لإصلاحها، لكنه قال: أنت تعلم ما قدمه الجنوب، بدعم التحالف العربي حتى الآن، وتعلم سيادة الرئيس ما قدمه الجنود الأبطال في ساحة المعارك، نريد تسجيل إنجازاتنا وحمايتها فحسب، ولا نريد انهيارها، فماذا تقترح؟ عرف هادي أن الزبيدي قد تطور كثيرا كقائد سياسي، فهو لم يُملّ ما يريده، بل رمى بالكرة في ملعب الرئيس، احتراما وتقديرا أو حتى كمفاوض متمرس، فوضع يده على رقبته وهزّ رأسه وقال: نخرج من هذا الحوار متفقين، على المبادئ الأساسية، توحيد الصف لاستعادة صنعاء وإرساء الشرعية، بدون مسميات، دون أن نتحدث الآن عن القضية الجنوبية. وتأجيل أي حوار حولها لما بعد صنعاء، أنت تستطيع المساعدة، وقد سبق وأن فعلت..! نظر الزبيدي وهو يعلم أن ما يطلبه الرئيس مستحيلا، كيف يمكن إقناع الجنوبيين بتأجيل كل أحلامهم، هل يمكن تأجيل الأحلام حين تكون متاحة؟ ثمّ فكّر، هل هي متاحة الآن حقا؟ فخطر على باله أن يطلب بعضا من ذلك الحلم الكبير، دولة الجنوب العربي، لحين تحقيق الأهداف، فقال: ليس لدينا مشكلة الآن في فيدرالية تحت مظلة الشرعية، نريد تحصين مواقعنا وحماية إنجازنا، وهذا ليس بكثير..! شبك هادي أصابع يديه في بعضها ووقف، فوقف الزبيدي، قال الرئيس هادي: دعنا نرى، ثم تعانقا عناق الصداقة العتيقة. * روائية وباحثة سياسية [email protected]