أعادت الأمسية الشعرية التي أحياها الشاعر هاشم الجحدلي والشاعرة تهاني الصبيح في أدبي الباحة إلى الأذهان فكرة (مرجعية الشاعر) وتأثيرات الأسلاف في التجربة الشعرية بصرف النظر عن وعي الشاعر بذلك من عدمه، ورغم وصول الشاعر والشاعرة للحضور إلا أن التمايز بين التجربتين جليّ بحكم الخبرة والقراءات وتوزع الذائقتين بين تقليدية وحداثية. وتجلى في البناء النصي لقصيدة الجحدلي تفاعلية المفردات مع روح المُلقي ووجدان المتلقي ما فتح مساحة حوار بين الذات والمكان والزمان والإنسان ليتحول المعجم الشعري لفضاء رحب يغري بالركض نحو الطفولة واستنبات التفاصيل الصغيرة حول البئر الأولى، وبقدر حداثة المنجز الشعري للجحدلي إلا أن صهيل البدايات لا يزال يصبغ قصيدته بالصور والحكايات. نعى أبوهلا سدرة البيت التي قطعها الأب دون استشارة أطفاله «سدرة لم تكن سدرة المنتهى. إنها سدرة الدار، تلك التي قاسمتني الطفولة والشغب الغض، ثم انتميتُ إلى نسغها في صباي. سدرة قصّها ذات يوم أبي دون أن يستشير طفولتنا فامحت وتبقى لنا من مفاتنها بعض ساق ينز دماً، فانكببتُ على الأرض طفلاً يعانق رائحة الأمس مغمورة بالأسى. سدرة لم تزل في دمي». وشنّف الجحدلي أسماع الحضور بأكثر من نص جمالي منها (هذه الأرض ليست تراباً) و (في مساء قديم) و(اللوعة). فيما حلّقت الشاعرة تهاني الصبيح بتجليّات عرفانية وروحانية استدعت خلالها معاناة وعذابات الإنسان من المهد إلى اللحد، فيما اخترقت وجدان الحضور برثائية لزينة أمها الراحلة: يا خدّها وطأَ الترابُ نداكَ وتهالكَ الريحانُ دون شذاكَ هل ما تزالُ مواضعُ القُبَلِ التي ضجّتْ بلهفتها الشفاهُ هناك؟ يا مشطَ أمي في مفارق شعرها للزعفرانِ محاجرٌ ستراكَ! ويعودُ ثوب العيدِ بالعطرِ الذي عبِقَ الثرى بوجودِهِ ينعاكَ. شهدت الأمسية تفاعلاً من الحضور، فيما استرعت مهارات مقدمة الأمسية ليلى الحامد انتباه الحضور بقدراتها اللغوية وتفاعلها العفوي مع النصوص وتعليقاتها اللاشعورية إثر كلِّ نصٍّ يُلقى.